تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ســـيرة الحـــــب.. الأدباء .. وتسليك المداخن

ساخرة
الخميس 21-1-2010م
خطيب بدلة

لم نترك نحن الأدباء الساهرين في منزل زميلنا أبي مازن شيئاً إلا وتحدثنا عنه، من زراعة الكمون، إلى غلاء البانزين والماظوط، إلى العولمة، إلى انفلونزا الخنازير، إلى الوجود والعدم، إلى تطعيم الفليفلة على باذنجان، إلى تعقيم الكدش في دكان البيطار..الخ....

وكان أكثرنا صمتاً وانزواء صديقنا الأديب أبو مروان.. فحينما كان يجري الحديث باتجاه انتقاد الزوجات والأزواج لبعضهم بعضاً كان ينظر بطرف عينه إلى السيدة أم مروان، ثم يبلع ريقه بصعوبة تماثل صعوبة بلع خوخة متطاولة مما يسميه الفلاحون قلب الطير!‏

فجأة بدأ أبو مروان الكلام، فسكتنا، وشرعنا ننظر إليه باهتمام.‏

في البداية كان حديثه لبقاً، وهادئاً، وجدياً ثم ما لبث أن انفلتت معه البراغي والعزقات والرنديلات وما عاد أي مفك مبسط أو مثلث قادراً على شدها وتثبيتها.‏

قال : يا شباب إننا نمشي من لحظة الولادة إلى لحظة الوفاة بفشخات واسعة أكثر من فشخات البطلة غادة شعاع حينما شاركت في الأولمبياد العالمي، ولعل ما يجعل لحياتنا قيمة هو أن نساهم ولو بالشيء القليل في بناء الوطن والحضارة، ولكننا لا نفعل ذلك للأسف.‏

قال أبو مازن: ولكنك تنتج أدباً عظيماً، يعني أنك تساهم، في بناء الـ..‏

قاطعه أبو مروان قائلاً: بلا أدب عظيم بلا بطيخ مبسمر، هأنذا أقولها لك بحضور زوجتي أم مروان- الله تعالى يخلصني منها عما قريب- إنها تتآمر مع أولادي الذين بذرناهم أنا وهي ليحولوا بيني وبين أي إبداع عظيم أو غير عظيم.‏

أخذ نفساً معمقاً وزفر ثم قال: قبل أيام تعطلت المدخنة في منزل جاري التحتاني أبي قدور- الله تعالى يخلصني من جيرته هو الآخر- وكان على ما يبدو قد تعلم طريقة لإصلاحها، فصعد إلى السطح حاملاً بيده سطل ماء يكفي لتغسيل ميت، وأفرغه في جوف المدخنة بقصد أن يجرف الماء السخام المتراكم بداخلها فتصبح سالكة.‏

قالت أم مازن: ولكن هذه الطريقة صحيحة، ومجربة.‏

قال أبو مروان: الحيوان جاري يعرف أنها صحيحة ومجربة، بدليل أنه نفذها، ولكنه أخطأ خطأ بسيطاً ،،إذ أفرغ سطله في مدخنتنا نحن!‏

وكنت في تلك اللحظة جالساً وراء كومبيوتري ومستغرقاً في إنتاج شيء من (الأدب العظيم) الذي أشار إليه أبو مازن!‏

وعندما شرعت (الخيرات) تندلق علينا بلا شفقة غضبت زوجتي وزمجرت وراحت تنتف شعرها وتمزق ثيابها، وتصرخ وتولول.. أي نعم لقد حولت جو البيت إلى ما يشبه جو العاصمة العظيمة بغداد أيام القصف الأميركي البريطاني الوحشي سنة 2003 ثم انتهت بها الحالة إلى أنها تركت كل شيء يجري على الأرض وخرجت مبربرة لاعنة حظها المسخم الذي جعلها تعلق مع أديب فاشل لا يفقه شيئاً في أصول التعامل مع المداخن الجارية.‏

قال أبو سعيد: وماذا فعلت أنت ؟‏

قال: صدقاً ويقيناً أنني يومئذ لم أكن أحمل لزوجتي أي نوع من المودة أو الحب والتعاطف بل كنت أكرهها ومع ذلك تبعتها إلى بيت أهلها من أجل مراضاتها وإعادتها إلى البيت أتعرفون السبب ؟ إنه واضح للعيان، فأنا بوجودها لا أجيد التصرف في هذه المسائل فما الحال في غيابها؟‏

قالت أم سعيد: وماذا جرى هناك؟‏

قال: أنتم بلا شك تعرفون مصلح المداخن الشهير المدعو(أبو سمعو) هذا الرجل مهارته في تسليك المداخن لا تقل عن مهارة طبيب يحمل شهادة البورد في الاختصاص المهم حينما دخلت بيت حمي-- وجدتهم متوترين منزعجين متضامنين مع بعضهم (مثلما يفعل العرب بعد كل عدوان اسرائيلي أميركي غاشم عليهم) وفي تلك اللحظة حضرتني روح المزاح والأنكلة فقلت لحماتي:‏

- أكبر غلط ارتكبته حضرتك حينما زوجت ابنتك لي، هذا مع أنني أوضحت لكم قبل الزواج أنني أديب فلو أبو سمعو تبع المداخن زوجها لما حصلت هذه المشكلة من أساسها !‏

ووعدتهم أن أحضر أبا سمعو شخصياً لإنهاء الوضع القائم في البيت .‏

ثم إنني وصلت القول بالفعل، وانتهت المشكلة، الطريف في الأمر هو أنني كنت أسير في أحد الأزقة بعد عدة أسابيع من هذه الحادثة، فسمعت المؤذن يعلن عن وفاة أبي سمعو، فهرعت من توي إلى حماتي وقلت لها:‏

- اضحكي في عبك لأنك لم تزوجيها لأبي سمعو، فلو فعلت لترملت ابنتك الآن، على كل حال (أديب حي أفضل من مصلح مداخن ميت)!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية