تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أفقــــر شــــــاعرين في القــــرن العشــــــرين

ساخرة
الخميس 21-1-2010م
نصر الدين البحرة

ربما كان الشاعران المعاصران: أحمد الصافي النجفي، وعبد الحميد الديب، من أشهر الشعراء العرب الفقراء في القرن العشرين.

وإنما يتلمس القارئ آثار الفاقة في الأبيات التي قالاها في وصف أحوالهما ومقامهما، ويذكر العوضي الوكيل أن عبد الحميد الديب الذي توفي عام 1947 لم يكن له في الأغلب الأعم من حياته بيت يسكنه ولكن الدهر جاد عليه يوماً بأن سكن غرفة في بيت قديم ورغم ضآلة أجرتها فإن عبد الحميد عجز عن دفعها المرة تلو المرة، وكان صاحب البيت يجيء لمطالبته فإذا فتح له الشاعر بابها ذعر الرجل لساكن لا يملك أثاثاً يضمن به أجرة السكن!‏

ويصف عبد الحميد الديب، بيته وصفاً يذكر بوصف شعراء الكدية بيوتهم وما فيها من علائم الفاقة والبؤس، على أن فيه طرافة وظرفاً.‏

هل مات وإسرافيل بعثه وحده؟!‏

أفي حجرتي، يارب، أم أنا في لحدي‏

ألا شدما ألقى من الزمن الوغد‏

وهل أنا حي، أم قضيت، وهذه‏

إهامة إسرافيل تبعثني وحدي‏

لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها‏

بناء قديم العهد أضيق من لحدي‏

تراني بها كل الأثاث، فمعطفي‏

فراش لنومي أو وقاء من البرد‏

وأما وساداتي بها.. فجرائد‏

تجدد، إذ تبلى على حجر صلد‏

ذاق الجوع أكثـر من غاندي‏

.. ويمضي الديب في وصف حجرته فيقول:‏

تساكنني فيها الأفاعي جريئة‏

وفي جوها الأمراض تفتك أو تعدي‏

أرى النمل يخشى الناس إلا بأرضها‏

فأرجله أمضى من الصارم الهندي‏

تحملت فيها صبر أيوب في الضنى‏

وذقت هزال الجوع أكثر من غاندي‏

أثاث المنزل.. قلم وورقة‏

وفي قصيدة أخرى يصف الشاعر الديب صاحب المنزل ومطالبته بالأجرة:‏

يمر على سكناي في ذيل بيته‏

مرور عيون الموسرين على الفلس‏

تكبر، فالألفاظ منه إشارة‏

كان عباد الله، طراً، من الخرس‏

يطالبني بالأجر في غيظ دائن‏

تصيده المحتال بالثمن الوكس‏

وقال يداري ظلمه: أي ضامن‏

لسكنى تعرت عن سرير وعن كرسي‏

أراك بها كل الأثاث ولا أرى‏

سوى قلم ثاو على الأرض أو طرس‏

وقلت: معاذ الدين، ما كنت مرة‏

غريماً، ولا أذللت يومي ولا أمسي‏

وأسمعته صمت الدراهم فانحنى‏

يقدم أعذار اليهود من الوكس‏

وأخضع فقري كبره وثراءه‏

وأي غنى لمرء غير غنى النفس‏

إذا كانت السكنى بأجر مذلة‏

فما أرحب المجان في غرف الحبس‏

فإني أرى فيها الطعام ولا أرى‏

غريماً يلاقيني بعارضه النحس‏

الصافي النجفي بين دمشق وبيروت‏

.. أما الصافي النجفي، فإنه أقام إقامات مشابهة، فوصفها، على نحو يذكر فعلاً بأشعار المكدين. وكان يتنقل على هذا النحو ما بين دمشق وبيروت وسواهما، من بلدان القطرين الشقيقين.. من بيت شبيه بالخرابة، إلى غرفة متداعية، تتخللها الرياح، عبر شقوقها الكثيرة، فلا يجد، في زمن الكهرباء، سوى السراج يستضيء به ويتدفأ.‏

غرفة لنوم الشاعر.. أم منفى؟‏

يقول الصافي في قصيدة نشرت في ديوانه (الأمواج):‏

أكافح البرد في سراج‏

يكاد من ضعفه يموت‏

في غرفة ملؤها ثقوب‏

إن شئت قل: ملؤها بيوت‏

يسكن فيها بلا كراء‏

فأر وبق.. وعنكبوت‏

للفأر من مأكلي غذاء‏

والتبى جسمي لديه قوت‏

واعتزل العنكبوت أمري‏

وفي بقاه معي رضيت‏

فهو معي مثل فيلسوف‏

معتزل دأبه السكوت‏

أغرفة للمنام هذي‏

أم هي منفى، به، نفيت‏

تجمدت من بردها ولكن‏

في الصيف، من حرها شويت‏

أمشي بها خائفاً لأني‏

أخشى انخسافاً إذا مشيت‏

المراجع‏

(1) مطالعات وذكريات- تأليف: العوضي الوكيل- القاهرة: 1972‏

ص 153- 154- 155‏

المرجع السابق- ص 156-157‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية