تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جيــــل اليـــــوم متمـــــرد .. أم مظلــــــوم ... أم ضائـــــــع ؟..هل ما يقال عنه صحيحاً.. أم أنه حكم الأزل في صراع لا يتوقف؟

مجتمع
الخميس 21-1-2010م
سمر رقية

طائش ، لا مبالٍ ... لا مسؤول ... الخ ، ألقاب كثيرة تطلق على جيل اليوم ، أفكار متناقضة تتردد حول ماهيته ، ورهانات عديدة حول نجاحه واستمراره .

وإذا وقفنا عند هذه النقاط وأخذنا آراء العامة سلباً كانت أم إيجاباً فإننا نرى كل جهة لها وجهة نظر معينة .‏

الجيل السابق ينعت هذا الجيل بأنه ضائع ، مجنون ،‏

متخبط في ظلمات الفوضى والتقليد الأعمى للغرب ، فعندما تمشي في الشارع تلاحظ أن الشباب آخذين في تقليد الموضة الغربية مخترقين حواجز الأدب ، ضاربين عرض الحائط بالأعراف والتقاليد الاجتماعية ، فكل منهم يرغب أن يكون الأكثر شبهاً بشكله ولباسه لمطرب أو راقصة ، وأول ما تلمسه وتحس به هو سطحية تفكيره وغرقه وانشغاله بالقشور وابتعاده عن الجدية في التفكير واستحالة أخذ قرار مهم أو مصيري في حياته ، وثمة رأي مخالف لذلك تماماً ، يقف بجانب الجيل ويقول بأنه مظلوم ، والسبب الأجيال التي سبقته بجميعها الأسرة ، المنظمات السياسية على اختلافها فهو لم يمنح الثقة كما لم يمنح المعرفة ، وبالتالي فقد موقفه الاقتصادي أمام كم هائل من الحاجات بسبب الوضع الاستهلاكي المتزايد .هؤلاء المربون أو ما يسمى الجيل السابق عن ماضيهم يقولون : إننا لم نكن كذلك مطلقاً ، فشباب اليوم يقضون أوقاتهم خارج البيت في السهر والتجمعات الشبابية ، في المقاهي ، وعندما يدخلون المنزل تراهم قابعين أمام شاشات التلفاز منقلين أبصارهم بين هذه الفضائية وتلك ، أو جالسين أمام الكمبيوتر للتسلية والترفيه ، مستخدمين الانترنت للتعارف وتكوين الصداقات مدعين بذلك إنها تقنيات العصر .‏

لكن أبناء هذا الجيل يقولون : لا علاقة لنا بكل هذه الأخطاء وحقيقة الأمر لا نستطيع تحميله أعباء التطور ، فالعصر الحالي هو عصر العولمة ، لم يستطع الشباب الاختيار ، بل فرضت عليه هذه الأشياء نتيجة حتمية للتطور .‏

فهل يستطيع الوقوف والنظر إليها والأخذ بها ؟!‏

وفي غمار هذا الحديث وتشعباته أجرينا استطلاعاً موسعاً حول النظرة السائدة لابن اليوم فماذا كانت النتيجة ... لنتابع ...‏

يريد كل شيء دون تعب‏

أبو حازم متقاعد وأب لخمسة أبناء يقول : لا أعتقد أنه يوجد لدينا جيل يبشر بمستقبل مزدهر لانعدام الطموح لديه ، فجيل اليوم يريد كل شيء من دون تعب ، معللاً ذلك بأن هذا الجيل لم يعش صعوبة الحياة ومتطلباتها ، حتى يعرف معنى المسؤولية ، فهو يبحث عن حقوقه متجاهلاً واجباته ، يغلب عليه التمسك بقيم وعادات غربية باسم التطور ومماشاة الواقع ،لافتاً إلى جيل الأمس على الرغم من تواضع إمكانياته وصعوبة حياته ، إلا أن فيه العديد من الأدباء ورجال العلم البارزين وهي مقاربة من الصعب أن تتحقق اليوم إلا بمعجزة .‏

إعادة تأهيل‏

أما الأستاذ حسن قاسم يقول : لا يمكن الجزم بأن الجيل غير مسؤول ، فكلما تقدم بالعمر سوف يحس بالمسؤولية أكثر ، معتبراً أن فترة الدراسة الطويلة على الرغم من أنها تزود شبابنا بالمعرفة والعلوم التي كنا نفتقدها ، إلا أنها لا تصقل الشاب في خبرات الحياة بشكل جيد ، ما يجعله جيلاً طائشاً ، وأضاف منوهاً « بأنه بحاجة لإعادة تأهيل وإملاء وقت فراغه بشكل جدي ومفيد »‏

عديم الإحساس بالمسؤولية‏

بينما ترى رودينة موظفة وأم لطفلين تقول « إن الشباب اليوم غير قادر على تحمل المسؤولية في حال أوكلت له واجباته المدرسية ، فهم اتكاليون وتعزو سبب ذلك لظروف الحياة ومجرياتها ، فالمناهج المدرسية صعبة وكثيفة وتحتاج لوقت أطول ولمساعدة الغير ، لذلك تراه يميل إلى الاتكالية أكثر من الجيل السابق »‏

جيل ذكي‏

أما الشاب حاتم كان له رأي مختلف تماماً فهو يرى « بأن هذا الجيل قادر على تحمل المسؤولية بكل إطاراتها ، إن نحن خففنا عنه القيود التي تحد من حريته ومنحناه الثقة التي يحتاجها» مضيفا أن ما وصل إليه جيل اليوم من تقدم علمي وتقني وتكنولوجي ساهم في رفع الوعي عنده أكثر من السابق ويعود سبب ذلك إلى صفة الذكاء التي يمتاز بها جيل اليوم .‏

إلى الورا.‏

أما الشاعر حسن قداح أقول ما قاله أحد الشعراء‏

زمانهم كزماننا‏

زماننا كما ترى‏

ومشينا كمشيتهم‏

ومشيهم إلى الورا‏

لا أعلم سر النظرة السوداوية لهذا الشاعر ، وأضاف قائلاً «جيل لا يملك القناعة فهو يحطم كل شيء إذا لم يحصل على ما يريد ، جيل لا تعنيه المسلمات ، ولا يرضى بأي شيء ، إنه يرى ويسمع ، يقارن ويسأل بصوت عال جداً‏

فقدوا البراءة‏

المهندس علاء يقول « إن أبناء اليوم بدؤوا يسبقون الكبار في مهارة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ، فابن الخمس سنوات يستخدم الموبايل والكمبيوتر مثل الشخص الكبير وربما أفضل منه ، أفاجأ بأنه يتحدث معي في أمور عديدة مثل السيارات وأمور إضافية في البيت بوعي كبير وأعتقد أنه عندما يصل إلى سن البلوغ سيكون لديه رصيد غني بالمعلومات بسبب الإنترنت والفضائيات ، لذلك نجد أنهم فقدوا براءتهم »‏

مظلوم‏

المحامي محمد سلمان يرى بأن «جيل اليوم جيل مظلوم ، والسبب الأجيال السابقة التي ساهمت في تربيته من أسرة - منظمات مختلفة في السياسة منها» فهو لم يمنح الثقة من قبل هذه الجهات ، وبالتالي لم يمنح المعرفة لأن من يربيه فاقد لها،خاصة أنه يعيش عالماً علمياً يعجز مربوه عن أداء المعلومات اللازمة ومعرفة سمات التربية التي يريدونها منه ، ويضيف منوهاً بأن الجيل يعيش عصراً علمياً استهلاكياً بصورة أفضل بكثير من مربيه ، لذلك يشعر بالتفوق على أسلافه وخاصة في هذه المجالات رغم إحساسه بالحرمان ، لأن معاشه اليومي مرتبط مع الأهل ؟‏

مدفون‏

معين جامعي يقول « بأنه جيل يبحث عن فرصة عمل مستحيلة في زمن العولمة والرأسمالية ، جيل يبحث عن زراعة مخ يستوعب هموم ومشاكل الحياة جيل إمكانياته مدفونة تحت قذارات الحضارة ، ومع ذلك ينظر إلى الأمام بعيون الماضي ويتحين الرجوع إلى زمن الاكتفاء الذاتي »‏

جيل ضائع‏

سماحة الشيخ محمد درويش يقول « ابن اليوم أمام كم هائل من الاستحقاقات مقابل متطلباته إضافة إلى أنه متلقٍ لكم هائل من السلبيات سواء كان من خلال الشارع ، المحطات الفضائية التكنولوجيا الحديثة ، فهو يرى أنه من خلال استخدام هذه التقنيةالمتطورة تنتج عنها نسبة ضياع تفوق 80٪ ، علماً أن المطلوب على المستوى التربوي والأخلاقي أن تلعب المؤسسات المعنية دوراً بارزاً في ترشيد الوعي عند الناشئة، لأن حقيقة الأمر أن هذه الناشئة لم تنشأ بشكل طبيعي ولا صناعي بل نشأت بصورة عشوائية ، بسبب انشغال الأهل بتأمين القوت اليومي »‏

مستعبد‏

الكاتبة ربا حسين تقول : بداية إن الاعتياد على طرح هذا التساؤل يمنح للوهلة الأولى طابعاً عاما بوجود فجوة هائلة غير قابلة للاجتياز بيننا نحن أصحاب النظرة التساؤلية وبين ذلك الآخر (الجيل ) البعيد عنا ..، وهنا لا بد من التساؤل ولو لمرة واحدة كيف نبدو نحن إزاء ذلك الجيل ؟ إذن لم لا نحيل الاستفهام إلى أقصى طرفيه ، وهذا ما عمل على تغييبه حيث إن تقييم أي مسألة أو بالأحرى ظاهرة أو حالة إنسانية أو اجتماعية يستلزم توفر شروط تلك الحالة، وهنا نتساءل هل خلقنا شروط الحوار الذي ينطلق من نقطة جوهرية ألا وهي الحرية ، فالإنسان المستعبد غير قادر على الرؤية والتغيير ، ولكن هذه الحرية تستلزم وجود الوعي ، وهنا بنظرة سريعة نجد أن ما يتبلور على السطح هو مشاهدة تكريس الولاء لأحد بعدي الإنسان الجسد أو الفكر، وهذا ما خلق القصور عند «جيلنا» حيث أمسى عبداً للجسد أو للفكر ، وهذا يعني غياب الوعي والحرية فالمطلوب هو امتلاك الرؤية أي الوعي أو لنقل السيادة الحقيقية على الجسد والفكر .‏

وهنا نؤكد أن إعطاء أي تقييم سلبي أو إيجابي ا يجب ألا يتم إلا بعد التساؤل عما قدم تجاه هذا «الجيل » أي تجاه هذا «الآخر» الذي هو نحن بصورة أو بأخرى .. فهل حققنا مفاهيم الحرية ، الوعي ، الحداثة .. الخ ، وصولاً إلى إعطاء الإنسان ابعاده الحضارية قيمة ومعنى .‏

وفي سياق آخر نلاحظ أن ايديولوجيا المجتمع قد جعلت الإنسان عبداً لقوة هائلة لا يستطيع الوقوف بوجهها وصولاً إلى تبرؤ أغلب مؤسساتنا من التساؤل عن قيمة إنسانها وكيفية العمل على استثمار مقدراته ، وفي ظل العولمة والنظام العالمي الجديد وما بعد الجديد وتذويب الحواجز والخصوصيات يقف إنساننا عارياً تماماً حيث لم يمنح ما يقيه مكر العولمة ، ولذلك نشدد على أن السؤال الذي يجب طرحه : هو ماذا فعلنا نحن تجاه هذا «الجيل» ..؟‏

جيل الصرعة والتفكك‏

علام عبد الهادي كاتب وناشر يقول : بأنه جيل اللا قضية ليس كامل الجيل بالمعنى العام وإنما جزء لابأس به لا تحرك توجهاته واهتماماته أي قضية يمكن وصفها بالإنسانية أو القومية بمعنى آخر ، لدينا جيل يعيش الصرعة بمعناها التقني والإعلامي الدعائي ، مغيباً عن التبصر العميق بالجوانب الفكرية ، مضيفاً أننا نرى التباعد المخيف بين أجيال اليوم وتراثها وحضارتها حتى على مستوى الأسرة ، التفكك بات مرعباً ، ويتابع مخصصاً حديثه عن الإناث بقوله : إنهن يفتقدن الشعور بالانتماء إلى البيئة بجميع مستوياتها ،بحيث تشعر الفتاة بالانتماء إلى كوالالمبور أكثر من الإحساس بالانتماء لواقعها، واصفاً ذلك بالتغريب المعولم الذي يحكم أهواء جيل اليوم وساعده في ذلك الضخ الإعلامي المبرمج لخلق شخصية سطحية ضحلة لا تفكر بغير الشكل والقشور وماديات الواقع .‏

صراع الأجيال‏

أمام هذه الآراء المتباينة والمتناقضة ، يا ترى ما رأي علم النفس والاجتماع بذلك لتحليل تلك الآراء ورؤيتها بعين العلم والاختصاص ، كان لنا وقفة مع الدكتور غسان علاء الدين أستاذ مادة الفكر السياسي «جامعة تشرين » قسم الفلسفة .‏

أشار إلى أنه قد يكون هذا الجيل سلبياً ولا مبالياً ومتكلاً ولا ثقة له بنفسه وإمكاناته ، لكن لا يمكننا أن نعزو ذلك إلى أنه يريد بذلك مطلقاً ، لا يمكننا قول ذلك ، والسبب لأنه جيل يرى بأم عينه كيف تجري الأمور على أرض الواقع ، فما سيقوم به ليس إلا تقليداً ومحاكاة آبائه ومعلميه الذين ينظر إليهم على أنهم قدوته ، بمعنى أنه ابن البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي أنتجته على هذا النحو ، مضيفا قد لا يعجبنا ما نراه اليوم ، الأمر الذي يدفع بنا للقول إنه جيل لا يقارن بجيلنا الذي كان جدياً ومجتهداً ويمتلك من القيم الاجتماعية ما لا يمتلكه جيل اليوم .‏

لذا أرى أنه من الأفضل والقول للدكتور غسان : علينا أن ننظر إلى هذا الجيل بعين المحبة والاحترام قبل أن نوجه اللوم له ، ويجب الأخذ بيده وتقديم المحبة والعطف له وتعليمه القيم الاجتماعية ، والكف عن انتقاده في كل مناسبة ،والكف عن مقارنته بالجيل السابق ، كي لا يصاب باليأس والاحباط فوق ما أصابه من الواقع ، مضيفاً : علينا أن نتعلم منه كما نعلمه ما دام قد خلق في زمن غير زماننا ، بالتالي سيؤمن بجملة من الأفكار والقيم ، قد نراها سلبية ، فيما هي ليست كذلك بالنسبة له ، ببساطة علينا أن ندرك تماماً أن العلاقة بيننا وبين أبنائنا ليست تحدياً وصراعاً ، وإنما علاقة تكامل وتواصل ، ينبغي أن تبنى على المحبة والحوار أولاً وأخيراً ، لأن هذا الجيل ما لم يحبنا لا يتعلم منا البتة .‏

وسألناه رأيه عن اتهام التكنولوجيا وتأثيرها السلبي على جيل الشباب ..؟‏

فأجاب «إن التكنولوجيا هي المتهمة دائماً ، علماً أن التكنولوجيا حيادية ، ويمكن أن تستخدم في كافة المجالات والنواحي السيئة والجيدة، مضيفاً إن الجيل الشاب الجديد هو الأكثر استخداما للكومبيوتر والأكثر معرفة به ، وهذه القدرة تجعل هذا الجيل متفوقاً على الجيل القديم ، وهي بالتالي ليست ميزة سيئة ، بل العكس لأننا بصدد التطور ، والتكنولوجيا عموماً هي التي تدفع المجتمع للتطور ».‏

أخيراً‏

ما يمكن قوله : إن مرحلة الشباب والمراهقة قد تؤدي إلى نشوء سلوك شاذ يتمثل بالتمرد ، التوقف عن الدراسة ، بالتالي بطالة وتسكع واقتراف الجرائم والممارسات السلوكية الممزقة ، ما لم يكن هناك إصلاح أو توجيه أسري أو رعاية اجتماعية ، فالعيش في عالم الخيال والغرور يؤدي إلى الانحراف ، وما يحصن ويمنع كل ما ذكرته سابقاً التربية والتعليم المناسبين ، لأن الأمي لا يمكنه أن يؤدي دوره في المجتمع أو يخدم أسرته بالشكل المطلوب ، وأرى أن من يتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية تجاه الجيل في التربية والتعليم هم الآباء أولاً وأخيراً،و للآباء دوماً الحصة الكبرى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية