تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حاييم كالفاريسكي.. ومأساة الضمير الصهيوني!

دراسات
الخميس 21-1-2010م
منير الموسى

كغيرهم من الجانحين والمجرمين يعيش الصهاينة في سلام مع ضمائرهم، فالسرقة والقتل ليسا من القضايا الأخلاقية، إلا إذا أجبرهم أحد ما على أن يكونوا كذلك، ولا سيما الضحية.

هذه تماماً مأساة الضمير الصهيوني الذي يقدم عبارة «اقتل وابك» غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة هي التي صاغت هذه الدراما الزائفة على نحو أقل إيجازاً عندما اتهمت العرب بإجبار الصهاينة على قتل ابنائهم بقدرما هو صحيح بمفهوم المخالفة، أن الفلسطينيين ذهبوا للحصول على المستوطنين في روما أو فرنسا أو بولندا لاخضاعهم إلى هذه «المحنة القاسية»! وسرقة الأراضي والمجازر بحق الإنسانية التي يرتكبونها في غير مكان على الأراضي العربية لا تخضع لأي شرعية أو قانون أخلاقي أو دولي، إلا إذا صدتهم المقاومة، أو أخرجتهم من أراض احتلوها بالقوة والترهيب، وعندئذ يتذرعون في اندحارهم بتطبيق القرارات الدولية، وخير مثال أنهم عند هزيمتهم تحت ضربات المقاومة اللبنانية، وانسحابهم عام 2000 من جنوب لبنان زعموا أنهم يطبقون القرار الدولي القاضي بانسحابهم.‏

وللصهاينة صعوبات حقيقية مع ضمائرهم، وهذه هي حال حاييم كالفاريسكي الذي جاء إلى فلسطين المحتلة عام 1895 من بولندا وهو مهندس زراعي عمل سنوات عديدة مديراً للتجمعات الزراعية في الجليل، وامتدت حياته بين (1868- 1947)، وما أعاده إلى الذاكرة أن الجدل هو حياته، انتقل مؤخراً من صفحات الصحف إلى المحكمة عندما قررت عائلته ملاحقة الكاتب الإسرائيلي آلون الحلو قضائياً وبحسب ما نشرته هآرتس أواخر الشهر الماضي بقلم وصفي جاكوبسون: إن عائلة كالفاريسكي، زعمت أن ذاك الكاتب شوه شخصية قريبهم في رواية «بيت الدجاني» التي وصفته بأنه كان يعاني فعلاً من مشاركته في ماكان يسميه كالفاريسكي شخصياً: نزع الملكية، التي يمكن أن تعني بكل المقاييس سلب الأراضي من المزارعين الفلسطينيين وفعلاً صورته العديد من المحفوظات الصهيونية- بحسب هآرتس- على أنه متناقض وجدانياً بشأن ممارسات الحركة الصهيونية مع العرب.‏

في عام 1919 أصبح همزة الوصل بين الحركة الصهيونية وبعض القادة العرب وأسس «الجمعية الوطنية العربية» التي مولتها الحركة الصهيونية للتصدي لأنشطة المنظمات العربية التي تناهض الصهيونية، في السنوات الأولى من الانتداب البريطاني على فلسطين وكتابات ورسائل وخطب كالفاريسكي تبين أنه كان يتمتع بازدواجية في عمله الخاص وفي الذاكرة الجماعية الإسرائيلية، كالفاريسكي ينظر إليه كعامل صهيوني أقنع أحياناً العرب عن طريق الفساد على بيع أراضيهم لليهود، ونسي الصهاينة كل المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين على مدى أكثر من قرن لطردهم من أراضيهم.‏

وفي عام 1919 قدم كالفاريسكي خطة اتفاق يهودي عربي للأمير فيصل الهاشمي وتضمنت الخطة للوهلة الأولى تناقضاً، إذ يعلن في بدايتها أن فلسطين بلد كل المواطنين وأن العرب متساوون في الحقوق مع اليهود ثم يقول في الجزء الثاني من الخطة إن فلسطين وطن للشعب اليهودي وهذا يتماشى مع روح وعد بلفور، ويقول كالفاريسكي: إن الشعب اليهودي يحتاج إلى الأراضي لتحقيق تطلعاته الوطنية وعندما قدم الخطة إلى اللجنة الصهيونية المؤقتة عام 1919 أكد أن الاتفاق اليهودي العربي لا يتطلب منا أن نتخلى عن أي شيء في برنامجنا الأساسي!‏

وأرض إسرائيل ستكون وطننا، وفي نفس الوقت يجب ألا نتجاهل احتياجات جيراننا لأننا لا نستطيع أن نبني وطننا على تدمير الآخرين!‏

ويزعم كالفاريسكي تفهمه للمسألة العربية، ويقول: إن مسألة العرب بدت لي بكل ثقلها عندما واجهت لأول مرة واقع تجريد السكان العرب من أراضيهم للسماح لإخوتنا بالإقامة فيها، فخلال عملي 25 عاماً في الاستيطان جردت العديد من العرب من أراضيهم، فهمت أن هذا العمل، أي حرمان الناس من أراضيهم، حيث عاشوا عليها هم وأجدادهم، ليس إلا شيئاً سهلاً، وخاصة عندما ينظر السارق إلى المسروقين على أنهم قطيع أغنام، ولكن بالأحرى لهم قلب وروح.‏

وإذا علمنا أن كالفاريسكي أصبح في آخر حياته أحد نشطاء منظمة بريت شالوم التي تدافع عن تعزيز التفاهم المتبادل بين اليهود والعرب في فلسطين، فهو ينشط فيها من باب أنه في مهمة ذات أهمية وطنية صهيونية، ولئن كانت رؤيته ساذجة إلى أبعد الحدود للمشكلة غير الأخلاقية ضد العرب فإنها تظل ذات أهمية كبيرة قياساً إلى عدد المعضلات التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي الآن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية