|
عن لوموند للوهلة الأولى تحيل المفردات والصور السابقة، عبر ماتثيره في أذهان المتلقين، إلى نوع من حكايا الأطفال. هل كنّا في عرض موجه للطفل، دون علم مسبق.. أم هل دخلناه عن طريق الخطأ.. حقيقة.. الأمر لاهذا ولاذاك، والحيرة تتولد من أسلوب التخييل الذي اعتمدته المسرحية الغنائية (واسطة العقد) تحت مسمى (الواقعية السحرية)؟!. يأتي العرض على هيئة حكاية داخل حكاية، الراوي (أبو حسن) يسرد لنا قصة إنقاذ الأميرة الأسيرة، والمنقذ هو (فارس) عبر لملمة حبات العقد التي انفرطت في البلدان العربية، وبالتالي جمع الحبات يعني جمعاً للبلدان العربية وصولاً إلى واسطة العقد وتحرير الحسناء هو تحرير للقدس. رمزية تشبه في بساطتها رمزية قصص الطفولة: مثل الثعلب والحملان، ليلى والذئب وغيرها. إن كانت الرمزية تتبع في قصص الصغار لغاية استخلاص عبرة يتلقاها الطفل بفنية غير مباشرة وليتمكن بنفسه من استقراء الموعظة الحسنة والدرس النافع الذي لن ينساه طوال حياته، لماذا قدمت (واسطة العقد) مقرونة بهذه الرمزية الطفولية، إن صح لنا القول.. وما الحاجة إلى اعتماد مستويين يمزجان مابين الخرافي المتخيل وماله من بعد واقعي معاش. وكأننا بمؤلف ومخرج العمل محمد عمر..أراد الابتعاد قدر المستطاع عن صيغ المباشرة، أراد الهروب عن أي تقليدية في طرح أهم قضية عربية - قضية القدس فلجأ إلى حل على مستوى الفكرة والإخراج يمزج مابين (المتخيل والواقعي). ولكن هل صعب علينا فك شيفرة تلك الرموز حتى نقول إن العمل ابتعد عن تقليدية طرح صبغت أعمالاً عالجت الموضوعة ذاتها. ذلك أن المزج مابين الواقعي والخيالي بقالب فني غنائي حكائي لايؤمن خرقاً أو كسراً للطريقة السائدة في معالجة القضية. وهذه هي المرة الثالثة وربما نصل إلى المئة أو أكثر ولم نزل نتحدث عن ذات الحالة، حول كيفية عرض قضايا وجودنا. لماذا نهمل إلى الآن الأسلوبية الفنية ونقف عند حدود البكائية أو الخطابية، وإن كنا محظوظين نرى عرضاً تفاؤلياً يحض على التمسك بالأرض وهو يتهاوى وهو ماذهب إليه عرض واسطة العقد الذي يبشر، يفائل، يغرس بذور الأمل... وبالفعل هي إحدى غايات الفن، ويفترض أن تسير على التوازي مع بنية نصية فنية ترتقي بالكيفية التي تنطق بها رسالة أي عمل. في واسطة العقد جاءت اللوحات بقالب راقص، كان حاملاً حقيقياً للعرض لمجمله، أدته فرقة إعمار ولاسيما في اللوحات الإفرادية التي أظهرت فميزت طريقة أداء الراقص - الراقصة. ولما كان فن الرقص يمكن أن يقترب عبر تفاصيل عمل الكريوغراف من رمزية أكيدة قد تصل حدود التجريد، كان من الأجمل والأكثر تفرداً أو تقديم العرض ببنية راقصة وفقط. ما المانع من توظيف طاقات الفرقة ككل في عمل يناقش الموضوعة نفسها دون اللجوء إلى حكاية، معادة عشرات المرات... معادة بمعنى جوهر الحكاية هو نفسه والمغزى هو ذاته. صحيح هو خيار فني تختاره مجموعة العمل بدءاً من المؤلف - المخرج - فالممثل - الراقص وكذا الكريوغراف ولايجوز أن نتنطح نحن مقدمين حلولاً أو اقتراحات بدلاً عن المخرج أو المجموعة، إلا أن مراوحة العمل وتشقلبه مابين الشيء التخيلي والآخر الواقعي، ضمن سياق فيه لمسة عجائبية - خرافية تجعلنا باستفزاز نتساءل عن هذا اللامألوف الذي حاول المخرج - المؤلف طرقه هل تمكن من خلاله الخروج عن نمط صبغ جملة الأعمال التي قدمت مؤخراً احتفالاً بالقدس عاصمة للثقافة العربية. ونستميحكم عذراً يا أيها الجديين في طرح أهم قضايانا، لنسألكم هل سيطول بنا الانتظار حتى تبلغ طفولة أدواتكم مرحلة النضج. |
|