|
عن لوموند ولغاية الآن، رغم ترجمة أعماله بشكل مجتزأ إلى نحو ستين لغة فإن الإصدار الكامل لمجموعة أعماله (عشرون جزءاً تقريباً) والمنظمة بصورة مترابطة وضمن نظام تسلسلي لم يتم انجازه سوى في خمس لغات هي الألمانية والإنكليزية والإيطالية والإسبانية واليابانية، فيما لم تكن المراسلات في متناول اليد بكاملها وقد تمت ترجمة البعض منها بشكل منتظم، إذ وعقب جدل وكفاح طويل أصبح بالامكان الدخول إلى هذه المخطوطات الخاصة بفرويد والمودعة لدى مكتبة الكونغرس في واشنطن، ويقدر عددها بما يقرب من 15000 رسالة بخط فرويد، 5000 منها فقدت و3000 منها تم نشرها أو هي في طريقها إلى الترجمة إلى عدة لغات. وكان قد صدرت طبعتان كاملتان لأعمال فرويد إحداهما خلال فترة حياته والأخرى بعد وفاته وصدرت هاتان الطبعتان في بريطانيا بين عامي 1940-1952 لتصبح الطبعة المرجع، وأضيف إليها فيما بعد فهرس وجزء إضافي. وشكل استهداف النظام النازي الألماني بالتخريب والتضييق على علم التحليل النفسي والذي أدى إلى هجرة معظم الفرويديين الألمان والنمساويين والهنغاريين إلى الولايات المتحدة، ضربة كارثية إلى المدرسة الفرويدية في التحليل النفسي، كما الأمر بالنسبة لنشر أعمال فرويد وقد اضطر هؤلاء المحللون النفسيون بعدما أصبحوا أميركيين إلى العمل كأطباء نفسانيين وتبني النموذج الأميركي في الحياة (الطريق الأميركي في الحياة) والتوجه نحو العيادات حصرياً، وهجروا الجزء النظري من فكر استاذهم، وتخلوا أيضاً عن الأعمال البحثية، ولم تستعد حركة التحليل النفسي، بعد عام 1945 ألقها وسطوعها البتة. ولكن توصل العالم الألماني الكسندر ميتشرليتش 1908 - 1982 إلى إنقاذ شرف وسمعة التحليل النفساني الفرويدي نوعاً ما عندما أنشىء معهد فرويد الضخم في فرانكفورت، وإرغام الأجيال الجديدة على إمعان النظر في الماضي وبدافع محض منه، باشر العمل وفق خطة (النصوص المختارة) المخصصة لجمهور عريض أكبر من جمهور مجموعة (GW) البريطانية ونظراً لأن الألمان لم يعتبروا فرويد كأحد المفكرين ولم تدرج أعماله ضمن المناهج التدريسية في الجامعات ولهذا لم تلق قراءة وافية لكي يصدر عنها طبعة مبنية على الأصول من قبل فيتشر فولاج، ناشر أعمال فرويد حتى صارت أعماله تقرأ الآن في جميع أنحاء العالم باللغة الانكليزية وخصوصاً أن معظم المحللين النفسانيين متحزبون للمعذب النفعي القادم من بلاد ما وراء الأطلسي، والذين لا تعنيهم أصول النصوص التي ألفها الأب المؤسس للتحليل النفسي بقدر ما يعنيهم سبر تلافيف المخ، ووفقاً لذلك أصبحت (مؤسسة علم التحليل النفسي الدولية) ومنذ الحرب العالمية الثانية والتي أسسها فرويد عام 1910 مجرد مؤسسة حرفية حتى وإن بقي العلماء من أصول أميركية لاتينية، وهم الأقدر في هذا المجال من أقرانهم الأوروبيين والأميركيين يقاومون هذا التوجه إلا أن الكل ظل يدور في الفلك الانغلو فوني. وأفضل من ترجم أعمال فرويد هو العالم النفسي البريطاني جيمس ستريشي 1887 - 1967 تحت اسم الطبعة النموذج حيث كرس جهوده من أجل أعمال فرويد، حتى جعلها هدف حياته الأسمى ورغم ما تحويه هذه الطبعة من أخطاء مثل (تحويل المفاهيم إلى اللغة اللاتينية، وإلغاء الأسلوب الأدبي) إلا أن لها الفضل في توحيد المفاهيم النفسانية كلها باللغة الإنكليزية، وكذلك قدمت شاهداً أكيداً عن شغف المترجم بالعمل الذي يقوم به، وعلى مر السنين أعيد النظر في هذه الطبعة وجرى تصحيحها، وقد غفرت جودتها المرتبطة بهيمنة اللغة الإنكليزية على حركة التحليل النفساني بعض التجاوزات فيها. وضمن هذا السياق، فقد تمت ترجمة الطبعة التي صدرت باللغة البرتغالية في البرازيل عام 1970 - 1977 عن اللغة الانكليزية ومن المحتمل جداً بعدما أصبحت أعمال فرويد ملكاً عاماً، أن تظهر ترجمة جديدة في أحد البلدان حيث تعتبر علم التحليل النفساني ثقافة قومية، وهذا ما تعتبره الأوساط الثقافية الفرنسية المعنية بأعمال وعلم فرويد لحظة سعادة وحرية، نظراً للغبن الذي لحق بأعمال فرويد في ترجمتها إلى اللغة الفرنسية بسبب حصرها في مجموعة اعتمدتها دور نشر احتكرت حق النشر. وفي مطلق الأحوال، إن الشيء الوحيد المؤكد في العالم برمته، هو أن إصدار طبعة لأعمال فرويد أصبحت شأناً خاصاً بالكتاب الاكاديميين والمؤرخين وبعد أعوام طويلة من الجدل والسجال صار ينظر إلى فرويد باستثناء ألمانيا خارج دائرة المحللين النفسانيين كواحد من كبار المفكرين في عصره. وهذا لا يمنع من الاصطدام بحملة جديدة مناهضة للفرويدية مماثلة لتلك الحملة التي قامت قبل عشرين عاماً. |
|