|
معاً على الطريق وباختصار شديد فإن ثمة خللا كبيرا واضحا بين الموقع السياسي الذي تحتله سورية في المنطقة وبين الموقع الذي يحتله إعلامها وسط هذا الحشد الضخم من الصحف والمجلات والفضائيات المتطورة. قبل الغزو الأميركي للعراق لم تكن العيوب أو الأعطاب في الإعلام ظاهرة بشكل واضح لكن بعد أن أصبحت سورية دريئة للسهام الأميركية والاسرائيلية المتتابعة, وبعد هذا الاستشراس الأميركي السافر للنيل منها لم يعد جائزا أو لائقا أن يجري التصدي لكل ذلك الاستهداف عبر هذه الاليات العتيقة المتواضعة. تحدثت في العديد من المقالات عن مفهوم الإهاب التاريخي والذي يعني أنه منذ أن احتضنت سورية ما عرف بالثورة العربية الكبرى التي اندلعت عام 1916 وضحت بخيرة رجالاتها على أعواد المشانق ومنذ أن خاض يوسف العظمة معركة خاسرة عسكريا ورابحة تاريخيا ومنذ أن أصبحت دمشق قلب العروبة النابض فإن سورية ظلت محكومة من ضمن إهابها التاريخي, بمعنى أن كل القيادات وأنظمة الحكم التي تعاقبت على حكمها كانت وطنية بصرف النظر عن انتماءاتها ومواقفها الايديولوجية, وعلى الأخص تجاه القضية الفلسطينية,وأن الموقف الصلب لقيادتنا في نصرة المقاومة اليوم هو نوع من تحصيل حاصل, كما أن غدر وخذلان بعض الأنظمة المشبوهة لها هو أيضا نوع من تحصيل حاصل. ربما ولهذا السبب ظل الفرق بين الدفاع عن الوطن وبين الدفاع عن النظام غائما وملتبسا وبكل صراحة أقول إن الاعلام السوري قد ساهم بشكل أو بآخر في استمرار قيام مثل هذا الالتباس. وفي الوقت الذي تمارس فيه المعارضة أو اللاموالاة شتى أشكال النقد والانتقاد للنظام السياسي, لكن عليها أن تعرف أن من واجبها أيضا أن تعلن موقفها بشكل صريح ومعلن تجاه الموقف الاستراتيجي السوري من جملة القضايا الساخنة وعلى رأسها ممانعة المخططات الأميركية, وغني عن القول إن الدفع إلى مثل هذا الاتجاه وإلى حد إحراج الآخر هو من الواجبات الأساسية للإعلام, فليس من المعقول أن يبقى مدافعا فقط. وما يحز في الفؤاد أنه كلما استعرض أحدنا المواقف الاستراتيجية السورية بنوع من الإيجابية يتهم فورا بممالأته للنظام, وهذا أمر يكشف عن قصر نظر سياسي فاضح وعن هزال في مفهوم الوطنية. وسواء شئنا أم أبينا فإن سورية بلورت عبر العقود الثلاثة الأخيرة موقفا استراتيجيا واضحا ومتميزا بدءا من طيرانها خارج السرب العربي بوقوفها ضد حرب الخليج الأولى التي شنها صدام حسين ضد إيران مرورا برفضها لاحتلال الكويت وانتهاء بطيرانها خارج السرب مرة أخرى في رفضها المطلق للغزو الأميركي للعراق, ناهيك طبعا عن رفضها لتفكيك المسارات في التفاوض مع العدو الصهيوني, ونقدها المجرح لاتفاقية أوسلو, والتي أثبتت الأيام أن تلك الاتفاقية المشؤومة لم تكن إلا أنشوطة تخنق الشعب الفلسطيني برمته, الأمر الذي يؤكد بالنتيجة صوابية الرؤية والاستراتيجية السورية. إن المتتبع لمزاج الشارعين العربي والإسلامي يكتشف بسهولة حجم الكره لأميركا وللأنظمة المتواطئة معها, ويرى في الوقت نفسه مدى الحماس لأشكال المقاومة والصمود والممانعة. إن ثمة مجموعة من الظروف السياسية التي جعلت وظيفة معظم الإعلام العربي تتلخص بتهيئة وإعداد البروباغندا السياسية الداعمة للأنظمة التابعة لها, وعلى سبيل المثال حين جرى افتتاح التلفزيون السوري عام 1960 كان في جله نوعا من البروباغندا للراحل جمال عبد الناصر, وبعد أن جرى الانفصال عن مصر تم تجيير هذا التلفزيون ضده. وانطلاقا من هذه الوقائع يمكن القول أن جميع الإعلاميين حتى الذين يتقاعدون الآن لبلوغهم ستين سنة لم تتح لهم فرصة التعامل مع الإعلام الحر فما بالك بالجيل الشاب, وعن أي اعلام يمكن أن نتكلم? معروف أن الإعلام السوري هو مجموعة من الكانتونات, فكل من الإعلام المكتوب والمرأي والمسموع هو كانتون مستقل بذاته, وداخل كل كانتون مجموعة من الكانتونات, وما لم يجر وضع استراتيجية شاملة للإعلام فإن عملية الترقيع ستستمر, وما لم يجر وضع أسس حقيقية للمعيار والفهم والسلوك المؤسساتي فسيبقى بعضهم حاكما بأمره ومهيمنا على إقطاعه. |
|