الاتجاهات المركبة في العدوان على سورية
دراسات الاثنين 16-12-2019 د. أحمد الحاج علي هذا العدوان على الوطن السوري صار معروفاً بتطبيقاته أنه حرب مركبة وهذه الصفة تتداخل مع منظومة كبيرة من الصفات التي تنسرب فيها حالة العدوان من حيث طبيعتها ومراحلها وأهدافها، ويدخل في أساس التركيب الواسع لهذه
الحرب ثلاثة اتجاهات تنطلق جميعها من وقائع القتال عبر المعارك الطاحنة ضد الإرهاب والاحتلال وضد من في حكمهما، وأول هذه الاتجاهات المستقرة في تركيبات هذا العدوان يتمثل في أنه صراع القيم والذمم وهذا ليس مساراً معنوياً بل هو محاولات مستميتة لتدمير الوطن من جذوره وقطع تاريخه مرحلة عن أخرى وبتر الوشائج والروابط التي تجمع الإنسان بتاريخه، والإنسان بمسيرة آبائه وأجداده والهدف من ذلك هو الوصول إلى حالة الاستفراد بهذا الوطن بعد الاختراقات إلى درجة الأعماق في تقطيع الأوصال وتقطيع سيالة القمم وطرد ميراث الذمم عن الحالة الوطنية بطريقة العمل على خلق مناخ الاغتراب والتشويه للحالة الوطنية العامة، وهذا الأمر يتحول مباشرة كما يخطط المعتدون إلى مادة تأسيسية سرعان ما تتفاقم لتتحول إلى سيف صدئ يغرز في صدور أبناء الوطن وفي مفاصل تاريخ هذا الشعب، ومن مهام هذا النسق من الحرب القائمة أنه سوف يخلق وضعاً مضطرباً ومهزوزاً يزعزع إيمان الإنسان بوطنه وتاريخه ومع التراجعات والآلام تهتز حتى البندقية في يد من يحملها ولا سيما بعد كل هذا المنهاج في التزوير والتشكيك وشراء الذمم وتتدرج التطورات إلى عمق الاتجاه الثاني والذي لا بد فيه من ربط السياسة والمدفع والاقتصاد والذائقة العامة في هذا المناخ المفعم في الفراغات والمسكون بكثير من حالات الشذوذ والانحراف، أي إن الخدمة القتالية التي تكلف بها قوى الاحتلال والإرهاب لا بد أن تندفع باتجاه مسارات الحياة كلها ولا بد أن تجذب إليها مسارات الحياة الوطنية كلها وهذا المسعى منهجياً يحاول إنجاز مفهوم السقوط ذهاباً وإياباً كما يقدرون ويخططون في دوائر الغرب والرجعية، وهنا يدخل إلى التداول سلاح الثقافة المفتعلة والتي تأخذ ظاهراً إسلامياً وفي عمقها هي سرطان غربي صهيوني رجعي وعند هذا الحد لا بد من الاقتباس الكامل في عوامل الثقافة من مجريات العمل العسكري والأنشطة السياسية المرافقة له إقليمياً ودولياً وهذا يعني أن الأساس المزور والخادع لا بد أن يجد له زواريب واختراقات مزورة أيضاً وخادعة ولا سيما في البث الثقافي والإعلامي وتوظيف حقائق الدين الإسلامي الحنيف بمعدلات سلبية من شأنها أن تؤجج الفتنة ومن مهامها أن تجعل الرؤية ضبابية باتجاه الواقع ويضاف إلى ذلك هذا الانفجار الإعلامي الذي يتلازم ويترافق عضوياً مع كل نزال عسكري وعند كل نشاط سياسي أو إعلامي كما حدث وكما يحدث في توظيف هذا الجانب في كل اللقاءت الخاصة للحالة السورية، سواء في جنيف أم في سوتشي أم في آستنة في كازاخستان، ونحن هنا نتابع بما لا يقبل الشك أو المناورة أن مسار الافتعال أو التزوير يدخل في خدمة المسار العسكري مباشرة في مسعى واضح لتخريب الفعاليات السياسية ولتغطية الأعمال العدائية الإرهابية وكذلك لخلق مناسبات محمومة تغطي أو يبرر الاعتداءات الإسرائيلية على الوطن السوري ومن الطبيعي أن هذا الاتجاه بكل فقراته وروابطه البينية يحتاج قبل أي شيء وبعد أي شيء إلى ضخ العوامل السلبية المسمومة إلى الداخل الوطني السوري ومن المعروف أن الحرب القائمة الآن هي على سورية من خارج حدودها مهما نأت المسافات في هذه الحدود وفي سورية من داخل جغرافيتها وأبناء شعبها وبما يعني ذلك تخريب كل ما انطلقنا منه من مناقب وثوابت والتمهيد المستمر لدفع العناصر الهجينة والمسمومة إلى الداخل الوطني السوري ولا سيما عبر الاعتماد على بعض الثغرات والترهل والجمود الذي يتوزع بصورة متناثرة هنا وهناك وبالاعتماد كذلك على الأداء غير المكتمل في مستوى المسؤولية ولا سيما عبر حاجات المعيشة وبعض التصرفات غير المسؤولة، ومن المعروف أن هذه التفاصيل تتراكم وتتحول من وقائع إلى واقع يستمد منه المعتدون مادتهم في التزوير ونشر عوامل الفتنة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً وهذا ما يصيب وينسحب في محاولات تشكيل الاتجاه الثالث الذي يؤكد بأن المعركة هي في الداخل وليست كما يزعمون مع قوى غازية ومحتلة وإرهابية والبرنامج هذا يعتمد على تكثيف حالات التزوير على سورية وتعميق مدارات الحصار الاقتصادي والتركيز على أن كل هذه الانتصارات التي عبرت الإنجاز إلى الإعجاز إنما هي ومضات خاصة وسرعان ما تحاصر في حين يبقى المدى مفتوحاً للمعارك الهامشية والتأويلات المفتعلة معتمدين في ذلك على أن أبناء الوطن السوري سوف يتهاوى وعيهم أمام القصف والتدمير إلى زمن طويل لكن هذه الاتجاهات هي افتراضات لديهم ونحن في سورية لنا قيمنا وثوابتنا.
|