|
شؤون سياسية وما بين حدي الخير والشر تستوطن الإرادة هذه المسافة التي تضيق أو تتسع تبعاً لدرجة الوعي في الحياة الوطنية وتبعاً لطبيعة واتجاهات العلاقة السياسية والعملية مع هذه الأزمة التي تبدو ناشبة ومفاجئة في حين أنها حدث مرصود ومخطط، وله قواه من الخارج والداخل وله قوى الرد الوطني عليه، نسوق هذه الفكرة لكي لانبقى في إطارمطبات الأزمة صعوداً وهطوباً تفاؤلاً وتشاؤماً وهنا تكمن قصة إطلاق الأزمة بعناصرها علىأنها استهداف طبيعي للوطن السوري وعاصفة مقصودة لذاتها. حيث المطلوب في هذه اللحظة التاريخية أن تجرد سورية من قيمها وقيمتها معاً، أن تُلغى ذاكرتها التاريخية، وأن يتناثر دورها لتصبح في النهاية أرضاً محروقة وشعباً مهزوماً وعندها تندفع الأهداف السياسية من مكامنها وجحورها فإذا المطلوب في النهاية أن تكون سورية مجرد منطقة جغرافية على الأرض وبدون منطق ومجرد كميات من البشر اللائذين بالظلال المعتمة التي تطلقها إرادة كل أولئك الذين قرروا إسقاط سورية الوطن ونعود إلى مستوى الحدث العاصف لتدارك انفعالات العلاقة مابين الباطن والظاهر وهذا محكوم بما أشارت إليه الآية الكريمة فالظاهر مؤلم والألم ضرورة للصحوة على الذات وللاستفاقة على إيقاع الزمن والعالم ويجب أن نعترف بأن حالة الاستقرار حينما تتكرر تؤول إلىحالة من الركود وهذا ماينتج عادة أولويات في البناء الداخلي غير مستقيمة بحيث تتراجع بنودها الأولى إلى قعر القائمة وتتقدم البنود الأخيرة إلى مقدمة القائمة. وفي مثل هذا الحال سوف تتحكم في الواقع اتجاهات مضطربة ولذا فإن الأزمة بدرجة حرارتها العالية هي التي تحدث الصدمة لكي تتنبه القوى جميعها بحركة مزودجة إلى حالة النمطية والترهل والمقاييس الجامدة في الداخل وحالة الاصطياد الخبيث لكل ثغرات الداخل من قبل القوى المعادية لسورية كبرى كانت بحجم أميركا أوصغرى تكفي شمعة واحدة لإنارتها بحجم (الاستطالة الزائدة) قطر، ونلمس هذا الوضع الآن والمقارنة ماثلة في ذهن كل مواطن،إن الذي يجري بل إن الذي يتم التفكير فيه مختلف تماماً عما كان قبل الأزمة، وكأن المعنى العام يقول: إن سورية تتخلق من جديد وتنبعث على أسس وأصول هي التي تشكل المدى الحيوي والواسع بإعادة إنتاج النظام السياسي الكامل والنظام الاجتماعي المتكامل، إن مرحلة ماقبل الأزمة كانت توحي بالركود والاستغراق في النوم السياسي والاجتماعي على إيقاع الإنجازات والظاهر من مجمل اللوحة الاجتماعية، وهذا يعني أن نزعة من النسيان المتعمد شكلت ذاكرة نمطية بتوجهات إيقاعية جعلت من الحال السوري القائم أو المطلوب مبنياً على أساس الأمان الدائم والثبات المستمر. وجاءت الأزمة لتؤكد أمرين معاً الأول منهما أن التحولات الكبرى في سورية لن تكون محايدة وبمقدارماعلينا إنجازها علينا أن نحميها وننميها ونضيف إليها، والقاعدة العالمية معروفة إذ ليس المهم البناء والانتصار فحسب، إن الأكثر أهمية هو القدرة على الحفاظ على البناء والانتصار قبل أي اعتبار والنزعة المستيقظة في أن يجري التجديد والإضافة على المنجز الوطني بما يعني التجدد المستمر وخلق المناخ الدائم للتأهيل الوطني سياسياً واجتماعياً أي أن يكون المجتمع بكل اتجاهاته وتصانيفه قادراً على المواكبة مالكاً عبر قواه السياسية لنزعة الاقتحام إلى الأمام والاستشراف لملامح ماهوقادم من مخاطر. كان البعض في سورية وهو بعض مسؤول يشتغل بطريقة أن لاخطر على بلدنا ولاتحديات محتملة وقادمة، وكان هذا البعض يسوق لفكرة قاتلة دون أن يدري وعنده أن سورية هي واقع طبيعي نمطي وقد سحبت من هذا الواقع عناصر الموقف المشهور لسورية بدورها القومي ومعاركها المتصلة في مواجهة قوى الاستعمار والظلام وأمانتها العليا في احتضان المقاومة وتوفير أدوات الصراع والمواجهة مع العدو الصهيوني والقوى الحاضنة له، لقد حدث غباش في الرؤيا عند الكثير من المسؤولين السوريين ونسوا أن التراكم العضوي للموقف السوري كماً ونوعاً سيكون من شأنه أن يستنفر القوى الحاقدة والشريرة لكي تدافع عن نفسها أعني عن مشروعها الأسود وعن دورها المتقيح في الداخل العربي وأنها ستتوحد وهي تعتدي على سورية كما هو حاصل الآن. بالمحصلة لقد سبقتنا تحولاتنا وإنجازاتنا فتركناها للعاصفة والمجهول واقتطعنا أوقاتاً طويلة ممتدة لقيام الأفراح والليالي الملاح وللاحتفاليات ولإطلاق الشعارات المعومة فكان الزهو هو البوابة المهملة التي جاءت منها الريح، اشتغلنا وكأن الأمان قائم أبداً وكان علينا أن نشتغل وكأن الخطر وراء الأبواب وهوقادم أبداً، ألم أقل بأن الأزمة في أحد جوانبها ومهامها أطلقتنا على الحقائق والضرورات وأعادت فينا صياغة الموقف من التحولات الكبرى في سورية فبدأت تصبح لنا وليس علينا الآن وصرنا نشعر بيقين ثابت أن كل إنجاز في مدماك ما يحتفظ بقيمته حينما نبنيه ولكن حينما نحميه أيضاً ليس من تعديات اللحظة الراهنة وإنما من تحديات الزمن ومغاور الآخرين التي مازالت تنزطمعاً وحقداً وجهلاً وتخلفاً، وأعود إلى المقدمة لأسأل من جديد هل نستوعب الأزمة أم تستوعبنا الأزمة. |
|