|
لوفيغارو إنها لصفقة مغبونة بامتياز مالبثت مع ذلك أن بدأت بالانهيار الكبير في شهر أكتوبر عام 2011 لتخلي الساحة حينئذٍ لحوار الطرشان.. أوروبا تتهم الشعب اليوناني بسوء النية والتطفل وعدم تحمل المسؤولية.. وفي المقابل ينظر الشعب لشركائه الأوروبيين بصفتهم قساة قلوب، غلاظ الرقاب، فظين في المعاملة، متغطرسين في سلوكياتهم، مسيطرين في مواقفهم.. الجدير ذكره أنه عقب الحرب العالمية الثانية أخذت الأنظمة القديمة المتعفنة تنبثق من جديد.. ألم يتسم موقف أوروبا في انطلاقتها لمهاجمة اليونان، وكأنها كيانان منفصلان تماماً، بكثير من الطيش والخفة؟ قد يكون الأمر سهلاً ومستساغاً فيما لو أردنا تناسي أربعين سنة من حياة مشتركة بينهما في الاتحاد الأوروبي، وستون سنة أخرى تميزت بالتآلف والانسجام بينهما في حضن الحلف الأطلسي «ناتو». الأمر المحزن أنه في بلد أوروبي فائق الأهمية كاليونان، تستشري في مفاصله الأمر كل مظاهر الفساد والعمالة وسوء الإدارة وفقدان التنافسية، وانعدام الكفاءات والأهلية ولترخي هذه جميعها اليوم بظلالها الثقيلة على مجتمعه محدثة في أساساته الضعف والتخلخل والترهل.. ولكن هل يمكننا القول إن الشعب اليوناني مسؤول بمفرده عن تراكم هذه الأخطاء الجسيمة؟ ألم نساهم نحن جميعاً في التشجيع والترويج للمحسوبية والمحاباة وتوزيع السنوات الأوروبية وبعثرتها تخوفاً من توقع حدوث مناورات والتفافات سياسية قد تعمل على هدم وتقويض الدور اليوناني داخل المنظومة العسكرية الغربية؟ مَن مِنَ الأوروبيين كان بإمكانه أن يتصور استشراء شركات الفساد في مفاصل الطبقة الأعلى في المجتمع اليوناني والسياسي دون أن تتمكن هذه الطبقة أساساً من الاعتماد على التواطؤ الأوروبي؟! أليس بوسعنا ملاحظة أن الحث المنظم لليونانيين على الإقبال لاستهلاك السيارات الفارهة بشكل جنوني إنما مرتبط أساساً بلوبيات الدول المصدرة لهذه السلع الثمينة والقيمة؟ ألم تساهم عملية إعادة شراء الصناعات اليونانية من قبل فئات أوروبية حريصة كل الحرص على استرداد شبكات التوزيع تلك في تعميق وتجدير العجز التجاري في هذا البلد؟ واقع الأمر أن بعض رجال السياسة في اليونان قام بدور سيىء للغاية ومدعاة للشؤم، بيد أن بعضاً منهم استدرك خطأه وعاد إلى إصلاح مواقفه.. ثمة دراسة متأنية تهدف إلى إشراك هؤلاء في تحمل المسؤوليات..على أي حال ليس بإمكاننا الادعاء إلا بصعوبة بالغة بأن اليونانيين قد استفادوا وحدهم من التصالحية التي أسست في بلادهم... هل ثمة من إمكانية أخرى لفصل الأزمة الاقتصادية في اليونان عن سلسلة الأحداث التي أنتجتها أعمال الشغب والاحتجاجات على أرضها قبل انطلاقتها في خريف 2008 وساهمت إلى حد كبير في زعزعة استقرار البلاد عقب أزمة العلاوات والمكافآت؟. أليس من الأفضل للمراقبين أن يعاينوا ويتأكدوا أن مسألة انزلاق اليونان إلى الهاوية إنما متعلقة بجملة متناقضات داخل المعسكر الأورو- أطلسي؟ هذه المتناقضات يمكن تفسيرها على ضوء السياق الوطني تحديداً وخلال أعوام 1917- 1940-1947 حيث كانت اليونان تبدو وكأنها أمام مفترق تحديات عالمية خطرة.. هذه الأمور الكارثية خيمت بقتامتها وسوادها الحالك على مجرى عام 2012 بالنسبة لليونان بالطبع..وأما أوروبا وقد شهدت بداية المنظر المتداعي في هذا البلد قبل نحو 30 عاماً دون أن تصيبها شظية واحدة منه، ليست هي الآن بقادرة على دعمه كما يتوخى.. ولاسيما وأن الانقسامات الداخلية فيه كما والمعوقات والمعطلات، والاستراتيجيات القومية المتضاربة والمشعبة والمرادات التاريخية زادت من تفاقم الوضع المأساوي في هذا البلد الأوروبي المشلول.. ولكن مهما اختلفت التفاسير وتنوعت فإن الواقع يدل أن البرستيج الأوروبي قادر على تحمل مصاريف ونفقات الهزيمة الحقيقية لليونان.. ونحن لسنا هنا اليوم إلا لنبحث معاً عن أي وسيلة لإبعاد شبح الإفلاس عنه، مع يقيني التام بأن الحلول تكمن بداية في إيجاد آليات اقتصادية مالية، ولكي يصار إلى تلافي الآثار المترتبة عن الإفلاس المتوقع فإننا نناشد هذا البلد المترنح بضرورة الامتثال لخطة تقشف أخرى أشد صرامة.. وقبول وضعه تحت مراقبة شديدة... من الملاحظ أن ثمة غضباً شعبياً عارماً في الشارع اليوناني وحتى في بعض الدول العربية لأسباب اجتماعية وسياسية تخفي في سياقاتها مناهضة حادة للتغريب( نزعة تميل إلى تفضيل قيم الغرب على قيم الشرق)، هذا الصراع على الأراضي اليونانية قد يقود حكومة اليونان لعقد تحالفات جديدة طبعاً مع توقع بروز نتائج خطرة بل وكارثية على مستوى المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط.. وبهدف لعب دور وسيط وجديد مع أوروبا، تحتاج الطبقة السياسية في اليونان التي تبغي ذلك إلى استعادة شرعيتها.. ولعل إجراء انتخابات تشريعية سريعة فيه يحقق الشرط اللازم ولكن غير الكافي لعودة الاستقرار السياسي إلى ربوعه..ولابد أن يحين الوقت لإعادة تأسيس حوار مع الشركاء الأوروبيين حيث يتحتم عليهم أيضاً تحمل جانب من مسؤولياتهم تجاه مايحدث في اليونان.. بقلم: جورج بريفلاكي، كاتب وأستاذ جامعي في السوربون |
|