تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل يستجيب أوباما لخطط اسرائيل باتجاه إيران؟

الفايننشال تايمز
ترجمة
الأربعاء 14-3-2012
ترجمة: خديجة القصاب

ليس هناك دولة تتوافق مصالحها بالمطلق مع دولة أخرى مهما كانت نسبة هذا التوافق مرتفعة هذا ما أكدته الخلافات القائمة بين كل من الولايات المتحدة واسرائيل حول قضيتين جوهريتين الأولى: خاصة بقيام ايران بتخصيب اليورانيوم والثانية: ترتبط بشكل رئيسي بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

وتكشف نتائج زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى الولايات المتحدة مؤخراً اصرار الرئيس الأميركي أوباما على رفضه الامتثال لطلب نتنياهو الذي يحثه على مواجهة عسكرية أميركية مع ايران.‏

فالخطر الحقيقي كما صرح أوباما مؤخراً يكمن في رفض الاسرائيليين إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة هذا وتعتقد الحكومة الإسرائيلية ان طهران ترغب ليس فقط في امتلاك أسلحة نووية وإنما كذلك في تصنيعها وهذا من شأنه حسب مفهوم الاسرائيليين يشكل تهديداً لوجود دولتهم ومستقبلها.‏

فاستخدام الاساليب الدبلوماسية بالنسبة للملف النووي الايراني انطلاقاً من وجهة نظر رئيس الوزراء الاسرائيلي لن يجدي نفعاً من هنا جاء طلب نتنياهو من واشنطن تدمير تلك الأخيرة للمفاعل النووي الايراني خلال اللقاء الأخير الذي جمع بينه وبين الرئيس الأميركي. ففي حال اصر أوباما على رفضه إعطاء امر شن هجوم عسكري على إيران فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لن يدعم ترشيح الرئيس الأميركي الحالي لولاية رئاسة ثانية لذلك تمارس الحكومة الإسرائيلية ضغوطاً سياسية على واشنطن بغية منحها الضوء الاخضر لشن هجوم عسكري على ايران.‏

ويرى كل من أوباما ومستشاريه في البيت الأبيض والبنتاغون أن إيران لا تشكل تهديداً على وجود اسرائيل في حال امتلكت طهران اسلحة نووية رغم أنهم لا يرغبون في تصنيع ايران لتلك الاسلحة لكن مهما يكن الأمر فإن الاسرائيليين يمتلكون ترسانة نووية تسهل عليهم شن هجوم على ايران.‏

لقد ترسخ لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اعتقاد بأن طهران لم تتخذ قرارها حتى الآن بالنسبة لإنتاجها أسلحة نووية وتشكيل ترسانة من الأسلحة المذكورة وفي الواقع يرى البيت الأبيض انه ليس مهما من سيبدأ من الطرفين الاسرائيلي والايراني بالهجوم على الآخر فتعرض طهران للاعتداء سيولد لديها قناعة انها تحتاج لأسلحة ردع نووية ومن المهم جداً كذلك معرفة النتيجة التي توصل إليها الجانب الأميركي من ان استخدام القوة لن يؤدي الى تحقيق النصر فالقوات الجوية الإسرائيلية لن تستطيع تدمير الإمكانيات النووية الايرانية وتجهيزاتها كافة و لو نجح الهجوم الأميركي على ايران فإن ذلك لن يؤدي إلى شطب المعلومات التي بني على أساسها البرنامج النووي الايراني ثم إن طهران بإمكانها اعادة بناء منشآتها النووية في مواقع أقل تعرضاً لخطر التدمير على غرار العراق التي تعرض مفاعلها في اوسراق عام 1981م للتدمير على يد الاسرائيليين وبإمكان أطراف عدة استيعاب لماذا يرغب جناح المتشددين داخل اسرائيل في توجيه واشنطن ضربة لإيران إلا أنه يتابع كاتبا المقال وهما أستاذان في جامعة شيكاغو و هارفارد ندرك انه ليس من مصلحة الجانب الأميركي السير في هذا الاتجاه فالهوة التي تفصل بين واشنطن وتل أبيب متسعة اتساع الهوة بين واشنطن والقضية الفلسطينية .‏

ففي عام 1991 عارض نتنياهو اتفاقيات اوسلو عندما بذلت مساع لإيجاد حل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وإقامة شبه دولة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي اما اليوم فملامح الدولة الفلسطينية الوحيدة التي يرغب نتنياهو بها هي عبارة عن كانتونات منفصلة عن بعضها البعض منزوعة السلاح وتخضع للسيطرة الاسرائيلية على أرض الواقع. وفي عام2009 تم انتخاب نتنياهو كرئيس للوزراء في اسرائيل على خلفية رفضه اقامة دولة فلسطينية ليضم الكنيست الاسرائيلي منذ التاريخ المذكور شخصيات سياسية يهودية ترغب في السيطرة على الضفة الغربية إلى الابد الى جانب مواصلة حكومة تل أبيب طرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس والضفة الغربية مع توسيع المستوطنات الاسرائيلية في تلك المناطق.‏

هذا بينما تعهد أوباما بالمساهمة في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة كما قال تعيش جنباً الى جنب مع اسرائيل ويخيم عليها السلام.‏

وكان أوباما قد صرح خلال زيارته الى القاهرة في حزيران عام 2009 أن حل الدولتين يصب في مصلحة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين ومصالح العالم اجمع.كما يدرك الرئيس الأميركي ان الجمع بين دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وبين الطريقة التي يعامل فيها الاسرائيليون الفلسطينيين يؤدي الى تنامي مشاعر ضد كل ما هو اميركي في انحاء العالمين العربي والاسلامي مع اسهام هذا الامر في تفاقم مشكلة الارهاب العالمي .‏

وفي الواقع تعتبر القضية الفلسطينية بحسب الكاتبين تهديداً فعلياً للوجود الاسرائيلي فهناك ما يزيد عن نصف مليون يهودي اسرائيلي داخل الاراضي المحتلة هذا مع استمرار الحكومة الاسرائيلية بتشييد المستوطنات اليهودية مما سيؤدي إلى إقامة دولة وحيدة بين نهر الاردن والبحر المتوسط واذا ما اخذنا بعين الاعتبار المعيار الديمغرافي وتنامي السكان في المنطقة فإن ما يسمى « بإسرائيل الكبرى» لن تكون دولة يهودية تتمتع بالديمقراطية لكن عوضاً عن ذلك ستظل دولة ابارتيد يسيطر عليها نظام تمييز عنصري وهو تمييز يهدد شرعية بقاء اسرائيل لمدة طويلة. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق “ اولمرت” قد صرح عام 2007 قائلاً في حال فشل ايجاد حل للدولتين فإن اسرائيل ستواجه المصير الذي واجهته جنوب افريقيا خلال نضالها للحصول على حق التصويت بشكل عادل بين مواطنيها ثم تابع محذراً اذا ماحدث ذلك فسوف تكون نهاية دولة اسرائيل.‏

هذا وفي كل مرة يصطدم فيها نتنياهو مع أوباما خلال لقائهما بالنسبة للقضية الفلسطينية فإن الاخير أي أوباما يقدم تنازلات تتعلق بتلك القضية ومن المرجح ألا يعمد الرئيس الأميركي إلى ممارسة ضغوط على الحكومة الاسرائيلية خاصة في هذا الموضوع من الان وحتى يحين موعد اجراء انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني القادم لكن في حال عادت العلاقات الأميركية الاسرائيلية الى سابق عهدها فإن أوباما لن يؤيد تذمر نتنياهو المتواصل مما يؤدي الى استخدام الرئيس الأميركي لأسلوب الوعظ يرافقه ضغط اميركي لدفع اسرائيل لإعادة تفكيرها بالمسار الاخير لكن منظمة ايباك وسواها من اللوبيات الاسرائيلية في واشنطن تصر على ان الشخصيات السياسية الإسرائيلية تعترف بانعدام وضوح الرؤيا بين ما ترغب به اسرائيل وبين ما تصرح به واشنطن وتفعله على أرض الواقع وادراك الرئيس أوباما لمثل هذا الاختلاف والتباين الاستراتيجي بين الطرفين سيؤدي الى ابعاد الحلفاء السياسيين الاسرائيليين عن ساحة القرار وهم الذين يقومون بتمويل الحزب الديمقراطي من مؤيدي السياسة الاسرائيلية وبالتالي سيحولون دون إعادة انتخاب مرشح هذا الحزب للرئاسة الأميركية القادمة.‏

ويخلص الكاتبان الى القول: بما أن الحرب تحتاج لنفقات باهظة ومواجهة مخاطر جمة الى جانب كونها لن تجلب مكاسب دائمة فالحل الوحيد للخروج من هذه المعضلة يكمن في استمرار أوباما بتجاهل الضغوط الاسرائيلية التي تمارس عليه لشن هجوم عسكري ضد ايران.‏

 بقلم: جون ميرشايمر وستيفن وولت‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية