تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيـــــرها بغيرهـــا

فضائيات
الأربعاء 14-3-2012
جوان جان

من السهولة بمكان أن نتخيل الحالة الشعورية الزاهية للإعلامي اللبناني طوني خليفة وهو يقوم بتفجير ما ظنّه قنبلة إعلامية من خلال برنامجه «للنشر»

الذي يبث على فضائية الجديد عندما أعلن أن إشارات استفهام عديدة تحوم حول المشاركين في برنامج يعتمد على مبدأ المسابقة بين هواة الغناء في العالم العربي تبثّه فضائية خليجية..‏

وإشارات الاستفهام هذه تركِّز على أن عدداً كبيراً من المشاركين في البرنامج والذي يُفتــــَرض أنهم من الهواة إنما هم في الحقيقة فنانون محترفون لهم أغانيهم الخاصة بهم، ولهم مشاركاتهــم في العديد من المناسبات والاحتفالات الفنية، كما أن بعضهم حاز على جوائز في فعاليات فنية سابقة، الأمر الذي يفقد مشاركتهم في هذا البرنامج الخــاص بالهواة أهميتهـــا وبراءتها .‏

طوني خليفة اعتقد إذاً أنه يفجِّر قنبلة إعلامية من خلال تسليطه الضوء على هذا الخداع الفاضح الذي تقوم به هذه الفضائية، لكن اعتقاده هذا وللأسف في غير محله، ولو كان الأمر متعلقاً بفضائية أخرى غير هذه لما كانت هناك أي شائبة تشوب طرح خليفة، ولكن هذه الفضائية تشكّل إحدى أهم الحلقات في سلسلة الفضائيات الخليجية التي ابتلي بها عالمنا العربي منذ تسعينيات القرن الفائت وهي فضائيات لا همّ لها إلا ترويج الابتذال والتفاهة الفنية وغير الفنية، ويمكن القول إن هذه الفضائية لا تشكّل شيئاً يُذكَر أمام فضائيات خليجية تعمل منذ سنوات على تدمير شخصية ونفسية المواطن العربي وذائقته الفنية والجمالية، ونقصد بالتحديد تلك الفضائيات المسماة زوراً وبهتاناً بفضائيات الغناء، والغناء بمعناه الراقي والحقيقي منها براء .‏

لقد آلت هذه الفضائيات على نفسها أن تقوم بدور أقل ما يمكن أن يقال فيه بأنه دور قذر، وتتضاعف قذارته حين تدّعي هذه الفضائيات أنها تأخذ منحى فكرياً أو ثقافياً أو سياسياً، حينها سيغدو العمل على تقويض ركائز الفكر العربي والثقافة العربية والسياسة العربية مكشوفاً لكل ذي بصر وبصيرة، ولن يعود هناك شيء يمكن إخفاؤه أو الخجل من إظهاره .‏

عشرات البرامج التي تبثها هذه الشبكة الأخطبوطية من الفضائيات والتي أوقعت مئات ملايين المشاهدين العرب في حبائلها، موهمة إياهم أنها تأخذ بيدهم إلى شاطئ الأمان، بينما هي تسعى جاهدة لأن تغرز مخالبها الحادة في أوصال الجسد العربي تمزيقاً وتفتيتاً في شكل من أشكال الحقد غير المفهوم على هذه الأمة وعلى ماضيها وحاضرها ومستقبلها .‏

طوني خليفة.. يؤسفنا أن نخبرك أن (خبطتك) الإعلامية هذه المرة كانت بلا نكهة ولا طعم ولا لون لأن الجميع أصبح يعرف أن هذه الفضائيات بإمكانها أن تشتري البشر والحجر بأموالها، وأن الكشف عن خطأ ارتكبته هنا أو هناك أمر لم يعد يعنيها بشيء، بل وأصبح عادياً بالنسبة لها لأنها وصلت إلى مرحلة من الوقاحة فقدت فيها ذاك الإحساس الجميل بالخجل .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية