تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيارات الحياة والموات

معاً على الطريق
الخميس 31/1/2008
عبد النبي حجازي

في مرحلة الطفولة عندما كنا نمر من طريق المزارع الضيق الذي تختبئ في جدرانه المبنية بالحجارة والطين العقارب والافاعي والدبابير يستغفلنا احد الماكرين من اترابنا ويضع عوداً في عش الدبابير يحركها وينسل خفية مطلقا ساقيه للريح فنفاجأ بها تفوش علينا تتعقبنا كأسنة الرماح لا ينجو منا احد.

بغزو الدبور الاول السابق الاول بوخزة واحدة حتى تتكاثر على الاخير (الطشي) وتتركه وقد انتفخت شفتاه وبقع في وجنتيه وعنقه وتورمت جفونه فضاقت عيناه حتى لا تكاد ترى منها الا بصيصاً.‏

كان الشاعر الجاهلي المعروف النابغة الذبياني جالساً عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة فمرت المتجردة زوجة النعمان وكانت من فاتنات العرب وكان النعمان متيماً بها فسقط (النصيف) الغطاء عن رأسها فقال للنابغة (صفها) قال النابغة قصيدة منها:‏

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه‏

فتناولته واتقتنا باليد‏

بمخضّبٍ رخصٍ كأن بنانه‏

عَنَم على أغصانه لم يُعقد‏

واصفاً أناملها المخضبة بالعنم وهو ثمر ورديّ جميل فأثار الدساسون النعمان على النابغة ان غزله دليل على حب دفين فأهدر النعمان دم النابغة وكان شديد البطش, وقيل بل انه اهدر دمه لانه امتدح ملوك الغساسنة. وكانت اعتذاريات النابغة الشهيرة منها:‏

فبتّ كأن العائدات فرشن لي‏

هراساً به يُعلى فراشي ويقشب‏

اي انه بات في ذعره كمن لسعته الافعى وكان العرب يفرشون للمصاب هراساً وهو من الشوك ذي الرؤوس الحادة يجدد بين حين وآخر حتى يطرح نزيز الدم ما فيه من سم فيبرأ.‏

أراد قاسم ان يتعلم على الدراجة النارية وهو يتقن ركوب الدراجة العادية, علموه كيف يقودها فركب وانطلق في ساحة القرية لكنهم لم يعلموه كيف يوقفها فأخذ يلف ويدور ماراً بهم هلعاً (كيف أوقفها?) لا يستطيع لسرعته استيعاب كلامهم فيعيد اللف والدوران حتى صار يصيح مأخوذاً (نيالك ياللي عالأرض) فاعترضته كومة من التراب اقتحمتها الدراجة فغاصت عجلاتها فيها وسقط قاسم معفراً.‏

ويروى ان الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد احد شعراء المعلقات هجا مرة احد المقربين من النعمان بن المنذر بقصيدة منها:‏

ولا عيب فيه غير ان له كشحاً اذا ما قام أهضما‏

والكشح الاهضم هو الخصر النحيلِ بينما كان الرجل قصيرا بدينا (مفلطحا) فحقد على طرفة وكتمها حتى زار طرفة الملك طامعا في كرمه فأوغر صدر الملك عليه فزوده بكتاب الى عامله في اليمامة كي يعطيه مكافأة مجزية. حمل طرفة الرسالة الى العامل وكان أمياً فقال له آسفاً وكان من المعجبين بشعره (مطلوب مني ان اقتلك والا قتلوني ولا حيلة لي الا ان اتركك تختار الميتة التي تريدها)فقال طرفة (افصدوني) فسال دمه حتى مات.‏

وقال المتنبي:‏

وصرت اذا اصابتني سهام‏

تكسرت النصال على النصال‏

وفي هذا الزمن الذي ينكمش فيه ابن العرب على نفسه صابراً أو متبرماً, متقد الذهن أو متبلداً, صامتاً أو رافعاً عقيرته ليس له الا مثل هذه الخيارات جميعها أو الاقرب الى قلبه منها فتكون نجاته أوجع من السقوط.‏

anhijazi@aloola.sy‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية