تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أزمة معايير

معاًعلى الطريق
الأربعاء 4-12-2019
أنيسة عبود

للتو، كانت عائدة من وظيفتها. وللتو طلب إليها زوجها الموقر أن تضع له الغداء.

قلبت ناظريها في الهواء وكتمت غيظها وهي تنهض بتثاقل لتتدبر أمر الغداء مع أنه لا يسهم بأي شيء ولا يدفع من جيبه حتى ثمن الكهرباء التي يستخدمها..كان بركان الغضب يثور في أعماقها والابن البكر يقف إلى جانبها ويقول (أنا جوعان ماما)‏

شعرت أن قلبها انفرط إلى نصفين ..ماذا تقول لهذا الطفل البريء الذي جاء إلى الحياة ولم يقدم له والده سوى الاسم.. سأسميه على اسم أبي.‏

قال لها يوم ولادة ابنه.. سيحمل اسم جده ..وكادت تصرخ وهي في المشفى (من جده؟ قل ماذا سيكسب ابني منه ومن خصاله)‏

لكنها تراجعت حين دخلت أختها الكبرى.. لا تريد أن تفجر كل مافي داخلها من براكين لأن الجميع يعرف أن جده ليس برجل مهم وليس بذي عقل مميز... يعني تكملة عدد.. مع ذلك رضخت للاسم.. وأطلقت عليه اسم جده كي يصير الولد امتدادا لجده العظيم ويخلده مع خوفها الشديد أن يصير نموذجا مصغرا عنه.تنهدت بقهر .فهي لا تؤمن بكل هذه التقاليد البالية.. ولماذا سيحمل الابن البكر اسم جده إن كان لا يصلح أن يكون قدوة؟‏

سقط كاس الماء من يدها وهي تسقي ابنها ..صرخ الزوج الجائع.. (شو هادا) لم ترد .كانت المرأة منهمكة بهرس ماضيها وحاضرها في جرن الخشب الذي تهرس فيه الثوم .الطفل يكرر أنه لا يحب الثوم ..والأم لا تملك الخيارات الكثيرة في صنع الطعام. قال الزوج (لا أحب هذا الطعام)‏

سكتت ولم ترد.. تابعت تجهيز الأكل ..غير أن الزوج عاد - ينق ..ويدق بيده على الطاولة ..لن آكل)‏

اغرورقت عينا المرأة بالدموع وهي تحافظ على صبرها أمام شروطه ..اتجهت إلى النافذة وراحت ترمق قاسيون بنظرة عتب .. كأنها تقول له: أنت شاهد على حياتي المعذبة .شاهد على هذا الزوج الذي لا يدفع قرشا ولا يقدم شيئا لأسرته ومع ذلك يشترط ..يريد أن يصبح أبا وزوجا وسيد أسرة دون أن يكلفه ذلك شيئا..كأنه لا يدرك أن للأسرة حاجات وللأبوة التزامات ..وعلى الزوج واجبات ..وأن الرجال قوامون على النساء .فماذا تعني القوامة إذاً ؟ هل تعني أن يكرر على مسمعي كل يوم (لا يوجد شغل. البلد واقفة ومعطل كل شيء)‏

مسحت الأم على وجه الطفل وقالت له هل أطبخ لك أرزا ؟ كرر الطفل (رز ولبن)‏

حاضر..قالت الأم وهي تربت على كتف ابنها وتمسح شعره علّها تستمد منه الطاقة على احتمال هذا الشظف وهذا القنوط.‏

حين انتهت من تجهيز كل شيء نادت زوجها ..جلس يأكل بنهم ..كان جائعا فعلا.راقبته من بعيد بقهر ..شعرت أنه يأكل أيامها وشبابها .لم يسألها لماذا لا تأكل ..ولم ينادها علّها تجلس إلى الطاولة ..حين انتهى طلب الشاي إلى الصالون.‏

مسحت المرأة وجهها وهي تفرش أوراق الزمن على طاولة الطعام ..لقد أحبته .نعم .وقاومت أهلها من أجله .لكنه لم يكن يستحق كل هذه المقاومة .لقد تخلى عن التزاماته بعد أن جاءها طفل صغير..فشل في عمله ..وفشل في احترامه لذاته ..وصار عالة على زوجته الموظفة.. لم تخبر أهلها .عاشت الفقر والجوع والحرمان.لكن لأهل لا يحتاجون أحيانا لمن يخبرهم عن أحوال أولادهم ..كانت نظرة سريعة إلى ثيابها وحذائها وشعرها تكفي ليعرف الأهل أن ابنتهم غير سعيدة ..لكن كبرياءها منعها من الاعتراف ..مع ذلك شكت لصديقتها التي قالت لها مواسية .لست وحدك في هذه الحالة .معظم النساء حاليا هن القوامات على المنزل والأولاد والرجال.‏

ابتسمت المرأة بقهر ثم قالت: يعني ماذا ..نتزوج الرجل ونجلب له الأولاد ونطعمه ونكسوه ونعطيه اسمنا وعمرنا ويظل غارقا في أوهامه بأنه هو السيد ؟ السيد يا صديقتي لايقبل أن يكون طفيليا ومتطفلا على امرأة مكسورة الضلع .لكن للأسف هؤلاء منهم كثير وخاصة في هذه الأزمة الخانقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية