تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى من يهمه الأمر...أودية عبقر ...من تحت جبال الأنبياء؟

ثقافة
الجمعة 27-2-2009
يوسف المحمود

( تابع) : وجه زينب ذاك « لاني بيضه» كأكثر الوجوه من شمال أوروبا. ولا كوجوه آخر من بعض ولايات أمريكا الشمالية. بياض أملس/ أمسح.

لا ملامح تخالطه بلون ما. ولا قسمات توقف النظر عليه، بمعنى من المعاني. و« لاني سمره» ، كالحه. بل ، كما تقدم آنفاً، كالشحار في سقف التنور. ناشف . يكش النظر عنه. أو رطب مستنقع بعضه، في أو على ، بعض . لا يمسك النظر فيه، ولا يلفته اليه!‏

الرسام الايطالي بداهة، بلحية مدببة ، على كرسي قصير. في ناحية من اطراف ساحة، كاتدرائية فينيسيا ، لا يفصل أحدهم عن آخر إلا برسام مشابه كثيراً. أو يختلف قليلاً ، الى جانب آخرين. ولكن ، ربما هذا الرسام وحده . أول ما أشرف عليه وجه، كقرص عباد الشمس. على ساق ممشوقة، رشيقة وأنيقة. في حقول رؤوس جبال وتلال. فيما سرنا فيه. من بعد مدريد ، الى آخر ما انتهت به اسبانيا في هذه الناحية..‏

قرص عباد الشمس هذا . كما لو كان يهدي شعاع الشمس البكر غضاً، بين أبيض وأحمر بطيف أسمر، الى جهة شروقها كساجد على الواقف بوجهه فقط، الى ما وصف بـ « قرن الشيطان» في حديث شريف...‏

هذا الرسام، مرتبكاً أو صاحياً تماماً. دفع بصحيفة . طلع فيها قلمه ونزل . انحرف هذه الجهة. أو عدل عن تلك. شفتاه انزاحتا، فيما يحزر، انه قال : هذه هدية لك..‏

وفيما أخذا فيه، الرسام وزينب، من أخذ ورد مهدب . أنا شخصياً خمنت أن الرسام اعتذر لزينب . أنه لم يستطع أن يخلي نفسه، من مشاركة بالاحساس ، خلال رسم الصورة بالحمامة ، من على ساعدها.‏

تنقر الدرة، من كفها مفتوحة . فرسم هذه الصورة، خالصة لزينب وحدها ، متحاشياً التدخل بإحساسه ، قدر المستطاع . عسى أن يكفر عن الاجر الذي ، أسقطته زينب في جيب صدريته. لا هو نظر مقداره . ولا زينب ذكرته له...‏

الناس ملء الساحة. يجول بعضهم في بعض بادئين او معيدين . لا باعة صحف ومجلات، لا صور بمعالم خاصة من فينيسيا . لا باعة يانصيب، بأصوات «السحب بكره» . السحب بكره!« لا باعة سندويش، على الواقف . ولا على الماشي. لا بائع عرق سوس ، مثلاً يتزنر بقربته يطقطق بالكؤوس . كما في مدخل سوق حميدية دمشق. في مثل ايام هذا الصيف. لا أحد هنا يبيع او يشتري ، يأكل أو يشرب . ما خلا كيس ذرة صفراء للحمام المحوم ملء الفضاء . أو يكرج بين الارجل ، وإلا هؤلاء واولئك الرسامين. على الواقف والقاعد، لا يفصل بين هذا وذاك، إلا بثالث...‏

الناس يجول بعضهم دائماً ، في بعض . كنمل الشجر، دائب ينزل ويصعد على عروق الشجر. لا النازل يترك شيئاً على الارض . ولا الصاعد يحمل شيئاً من الارض، الى الشجرة. بل حسب الكل ، أفراداً ومجموعات، ان يكون أحدهم في هذه البقعة ، في ايطاليا ، من هذا الشرق ، المتجلي اسطورة في حقيقة أو حقيقة في اسطورة! ( سيلي)‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية