|
أبو ظبي وعطرتها ذكرياته مع صديقه الشاعر ممدوح عدوان الذي لايتصور أحد من أصدقائه أنه يغيب طويلاً عن دمشق، وإن اضطر للسفر أحياناً. والشاعر كاصد المولود في البصرة (1946) درس الفلسفة في جامعة دمشق وتخرج سنة 1967، وفيها أزهرت براعم شاعريته، ثم حصل على ماجستير في الترجمة من جامعة وستمنستر في لندن، ثم درس الأدب الإنكليزي في جامعة نورث في العاصمة البريطانية ذاتها. بدأ الشاعر قراءاته بقصيدة (القبو)، المهداة إلى روح صديقه الشاعر الراحل، وفيها إشارة إلى ذلك القبو الذي كان يسكنه ممدوح وكان ملتقى الأصدقاء السوريين والعرب، ومن أجمل الصور في هذه القصيدة أن الشاعر يقرن القبو بالبحر من خلال صور فنية تطفح بها ليالي دمشق، ومن ذلك المكان الصغير القابع تحت الأرض، حيث يسهر الأصدقاء، يصدح الشعر وتنطلق الحرية خفاقة زاهية على أجنح الخيال لتحتضن البحر وتلامس النجوم. ثم قرأ الشاعر مقاطع من قصيدة (سراباد) التي يمكن أن نعتبرها مدينة الحلم والأنس في وحشة الغربة والتيه والترحال، وخاصة أن الشاعر يعيش في بريطانيا منذ أكثر من عشرين سنة، وفيها يقول: سألنا في الطريق /وقد قربنا من سراباد البعيدة/ هل ستقضي الليل في هذا العراء؟/ظلالنا انتشرت/ وأقبلت السماء/ ونجمة أو نجمتان/ تحاذيان السهل/ والأشجار تقبل/ والرواحل تستريح... والشاعر الذي أمضى فترة من حياته في عدن باليمن، وكان يسكن في بناء اسمه (البيكاجي) استوحى منه قصيدته الطويلة «وردة البيكاجي» وفيها يقول: الهنود ابتنوا في سقوفك أعشاشهم، وانتهوا/ عند مفترق البحر يبكون أطيارهم... الهنود الأليفون/ أبصرت آثارهم في الطريق/ شواهدهم وهي تمحى/ ويسكنها السائحون الغزاة.. ومن الدواوين المنشورة للشاعر كاصد: الحقائب، النقر على أبواب الطفولة، وردة البيكاجي، سراباد، بقعة لايبلغها الضوء، نزهة الأيام، ولائم الحداد. في ختام الأمسية، وفي جلسة حميمة بين الشاعر وأصدقائه، سألته: ماذا تحمل من ذكريات دمشق؟ أجاب: كل من فيها وما فيها يسكن في روحي وستبقى معي كبغداد إلى آخر العمر، إن شغفي بها لن يزول. - وماذا تقرأ لدمشق؟ فتناول كتاباً وفتح صفحة وأشار إلى مقطع من قصيدة جاء فيها: قال العاشق لمعشوقته:/ سأقودك إلى غابة من فضة/ وعشب من الذهب/ لنقيم هناك/ قالت المعشوقة: وكيف نأمن الوحوش؟ / قال العاشق: بالذهب والفضة يا حبييتي». ثم قلب الكتاب إلى صفحة وقرأ من قصيدة: قفا نبك من منزل لحبيب/ عفته الرياح/ وطافت بأرجائه الظباء / كأني يوم الرحيل، لدى شجر الحي، ناقف حنظل/ يقول صحابي: تجمل/ وأنى!/ ودمعي شفائي/ وهذي الديار أنيسي. هذا الكتاب الذي يحمل صورة الشاعر عنوانه مكتوب في ثلاثة أسطر عبد الكريم كاصد: /الشاعر خارج النص/ حوار الفكر والشعر بين الحياة وهو حوار ثقافي يغوص في الأعماق أجراه الشاعر المغربي: عبد القادر الجموسي في لندن بين تشرين الأول/ أكتوبر 2006 وشباط/ فبراير 2007، ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: في هذا الحوار يصر الشاعر على مساءلة تجربته قبل كل شيء ومحاورة غيره من الشعراء والنقاد والمثقفين حتى لايكون خطابه مونولوجاً منفرداً، لذلك نراه يفتح مساحات للتأمل الذاتي والتواصل مع تجارب شعرية كبيرة في مشهدها العربي والعالمي... أجمل ما يمتاز به هذا الشاعر الهادىء كالبحار العميقة تواضعه الإنساني الآسر إلى جانب تألقه الشعري، رهافة صوته وأحاسيسه، إضافة إلى وفائه لأصدقائه الذين يتحدث عنهم بمحبة وشغف. |
|