تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الملتقى الدولي الأول للموسيقا الشرقية... الاحتفال بالتنوع والاعتـزاز بــالتفرد

ثقافة
الجمعة 27-2-2009
نجلاء دنورة - ميس خليل

انطلقت فعاليات الملتقى الدولي للموسيقا الشرقية في سورية تحت اسم (مساحات شرقية) باعتباره فضاءً موسيقياًً عالمياً يجمع الشرق والشرق في حوار فني... يؤكد هذا الحدث السبّاق دور سورية التي طالما جمعت وربطت حضارات الشرق، كما يأتي كاستجابة إلى الحاجة الملحة للحفاظ على التراث غير الملموس للمنطقة في زمن العولمة.

يعكس ملتقى (مساحات شرقية) تاريخ موسيقانا ويبحث عن أرض مشتركة لمستقبل التراث الموسيقي في العالم الشرقي.‏

لقد ارتأت الأمانة السورية للتنمية المنظمة لهذا الملتقى أن تحقق أهدافه من خلال محاضرات وحفلات موسيقية وورشات عمل تجمع موسيقيين ومحاضرين سوريين وعالميين.‏

تتناول المحاضرات تاريخ وأصول وأشكال المقام المختلفة في سورية القديمة والبلدان المجاورة لها ضمن تاريخ موسيقي مشترك، كما تتطرق إلى التفاعل مع باقي التراث الموسيقي العربي والفارسي والتركي والهندي وغيرها من الحضارات الشرقية.‏

وكانت أولى تلك المحاضرات محاضرة بعنوان (تجارب في الموسيقا الشرقية المعاصرة) تحدث فيها كل من نوري اسكندر وزيد جبري من سورية وشيفكي كاراييل من تركيا وحسام وشفيع بدر الدين من سورية ونادر مشايخي من إيران.‏

الموسيقار (نوري اسكندر) تحدث عن امكانية الاستفادة من التأثيرات السحرية الموجودة في العنصر اللحني المركب من مسافات ميكروتونية والموجودة في المقامات والأجناس الشرقية بالإضافة إلى الاستفادة من معطيات الهارموني والبوليفوني في الموسيقا الغربية ضمن قوالب مفتوحة بأشكالها المختلفة ولذلك لا بد من التحرر من الفكر المسبق في كيفية التعامل مع المقامات والأجناس بأسلوبها التقليدي وإيجاد أشكال لحنية جديدة غير تلك التقليدية المعروفة للحصول على مضامين موسيقية جديدة والاستفادة من القوالب المفتوحة، ولا بد من إيجاد توليفات هارمونية بما يناسب مفهوم الأجناس الشرقية والمقامات، وبما يناسب هذه الأشكال اللحنية الجديدة، وفي نفس الوقت الحفاظ على روحية هذه المقامات بأشكالها الجديدة على قدر الإمكان، وخلق علاقات فنية جديدة ومن منطقها الداخلي الخاص وخلق حواريات جدلية وتفاعلية.‏

أما بالنسبة لإشكالية البوليفوني فقد كان حلها أسهل من غيرها، وخاصة بعد الاستفادة من البوليفونية الموجودة في الموسيقا الغربية.‏

وعن تكسير سير المقام اللحني التقليدي قال (اسكندر): لقد استطعت فعل ذلك وأخذت أجول وأصول في المقام كما أريد بحرية كبيرة، ما ساعدني في الحصول على مضامين جديدة نابعة من الأشكال اللحنية الجديدة، وكان أصعب الأمور في هذه الإشكاليات هي إشكالية التوليفات الهارمونية.‏

وجربت الأكورات الغربية الكلاسيكية على المقامات كما جربها أساتذة آخرون قبلي، ولكن هذه التجارب باءت بالفشل، لأن هذه التآلفات الغربية لم تستطع استيعاب هذه الألحان الشرقية.‏

لذلك لم يبق أمامي إلا الرجوع إلى الوراء في تاريخ الموسيقا ودراسة ظاهرة الهتروفونيات المتراكبة والناتجة من تعود الأصوات أثناء الغناء بالشكل العفوي والبدائي.‏

كذلك الاعتماد على دوزان آلة البزق والعزف عليها في الموسيقا الفلكلورية الكردية والتركية عبر دوزانات عديدة ومختلفة تستعمل عند كل تعبير لنوع الأغنية أو الملحمة.‏

وقد لفت نظري أثناء البحث أن قانون الانتقال من المتتابع إلى المتآني، أي حدوث شيئين في آن واحد، فجربت العمل انطلاقاً من هذا القانون، وحصلت على إدراكات سمعية جديدة وركبت من درجات الأجناس وبأشكال مختلفة توليفات هارمونية لم تكن هارمونيات طبيعية، بل كانت مصطفة، وكان السؤال دائماً حول كيفية إيجاد علاقات بين هذه التوليفات بحيث تكون لها وظيفة ودور منطقي موسيقي، وكان المعين الأكبر على هذا السؤال هو منطقية تتابع الألحان وعلاقتها ببعضها والتي ساعدت على ربط التوليفات بشكل من الأشكال وكانت معقولة مؤقتاً والاستفادة من مبدأ المحاكاة للتوليفات الهارمونية الطبيعية المعروفة في الموسيقا الغربية الكلاسيكية.‏

بدوره الموسيقي الإيراني (نادر مشايخي) قال: نحن الشرقيين لدينا تراث فيه مفاهيم منطقية متباينة عن الموسيقا الغربية، ومن المهم جداً أن نوضح هذه الأشياء المختلفة.‏

وتحدث عن موضوع الدمج بين الهرموني والمقام، واعترض على هذا الشيء لأن الهارموني علم موسيقي غربي إدخاله على المقام الشرقي يفقده الكثير من خصائصه، كما أن هناك فروقات دقيقة بين الموسيقا الغربية المعدلة والموسيقا الشرقية، وبدأ الأوروبيون الآن يفهمون هذا النوع من الموسيقا التي فيها فواصل دقيقة جداً من النغمات والكثير من المؤلفين يعودون إلى تراثنا ويعملون على الفاصل الدقيق.‏

الموسيقي شيفكي كاراييل من تركيا درس في أكاديمية فرايبورغ للموسيقا في ألمانيا، قدم خلال دراسته عدة محاضرات حول الموسيقا التركية لمدة فصل كامل، شارك شيفكي في العديد من الحفلات الموسيقية في ألمانيا وتركيا وإيطاليا وهولندا ومصر.‏

تحدث عن الموسيقا الشعبية التركية وكيف يمكن لمؤلفي تركيا أن يحولوا الموسيقا الشعبية التركية ويدمجوا فيها الألوان الغربية، وأن يعزفوها على البيانو، والتاريخ الموسيقي في تركيا يعود لآتاتورك بعد تأسيس الجمهورية التركية، وقد أرسل آنذاك العديد من الموسيقيين إلى ألمانيا، كان منهم عبد الجمال.‏

قدم خلال المحاضرة مقطوعات موسيقية شعبية هي الأشهر في تركيا منها الراعي الصغير - رقصة من تركيا الغربية من بحر إيجا، وهي مقطوعات بنظره الشخصي من أجمل المقطوعات في الموسيقا التركية، وقدم شيفكي مثالاً آخر عن الموسيقا الشعبية التركية وهي رقصة شهيرة من البحر الأسود، وشمال تركيا وهذه الرقصة هي نقطة هامة لاستقطاب المؤلفين الأتراك، وهناك ثلاثة أجيال من المؤلفين قاموا بصياغة هذه الرقصة منهم فضل سعيد، وأضاف شيفكي بأنه لا يعرف إلا القليل عن المقام لأن نغمات المقام صعبة جداً على البيانو.‏

باختصار يمكن القول إن شيفكي تحدث عن تجربة تقديم الأغاني الشعبية التركية على آلة البيانو والإشكالات التي قد تنجم عن هذا الاستخدام، بالطبع هذا الموضوع آثار جدلاً كبيراً في القاعة بين المشاركين في الندوة ما بين معترض على تقديم الأغاني الشعبية على آلة البيانو الغربية وما ينجم عن ذلك من خسارة الأغنيات الشعبية بعض خصائصها وخاصة أن البيانو لا يؤدي ربع الصوت الموجود في الموسيقا الشرقية بصورة عامة، وما بين مؤيد لذلك.‏

الموسيقي حسان طه خريج المعهد العالي للموسيقا في دمشق عام 1998 باختصاص آلتي هورن وعود، ألّف موسيقا تصويرية للعديد من مسرحيات المسرح القومي منها (الأيام المخمورة) للكاتب المسرحي سعد الله ونوس أشار إلى أن هناك إشكالية بآليات المعهد الموسيقي أو آلية التدريس والابتعاد عن جوهر الموسيقا العربية، فنحن نريد أن نتحرك من اللامضمون إلى المضمون، ونريد أن نخلق موسيقا من مفردات، وأضاف بأننا دائماً نعاني من الآباء الذين لم يوصلوا لنا شيئاً سوى الكلام، فكيف يمكن للمقام أن يؤدى؟ فأسلوب اللفظ هو أهم من أن نؤكد على حالة السرد.‏

تجدر الإشارة إلى أن الملتقى سيتضمن مجموعة من الحفلات التي ستقدم هذا التراث الحي للجمهور عبر مشاركة فرق وموسيقيين متميزين من البلدان المجاورة، كما سيتضمن مجموعة من ورشات العمل تؤسس قاعدة متجددة لدراسة وممارسة الموسيقا الشرقية في سورية عبر التطرق إلى مواضيع حول تاريخ المقام وأصوله وتفاعلاته يقدم خلاله العازفون والمختصون في مجال الموسيقا عروضاً حية وتفاعلية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية