تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نبرة جديدة في الخطاب الأميركي

شؤون سياسية
الجمعة 27-2-2009
د. حيدر حيدر

يعيش العالم حالياً في لجة أزمة اقتصادية قاسية ومتسارعة ولا يستطيع حتى أفضل المتفائلين أن يغض الطرف عن التدهور الاقتصادي المريع الذي تشهده دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا،

وعند المقارنة بين أزمة الكساد الكبير التي حصلت في ثلاثينيات القرن المنصرم، والأزمة الاقتصادية الحالية فإن الوضع الراهن يبدو أخطر بكثير ، لكن ما يلجم اللجوء إلى الحروب الواسعة والمدمرة حالياً هو توازن الرعب النووي من جهة ومن جهة أخرى التجربة القاسية التي مرت بها الشعوب الأوروبية بخاصة خلال الحرب العالمية الثانية، لذا كان التوجه الأميركي نحو الاقتصادات الآسيوية القوية وكانت زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى الصين مؤشراً قوياً إلى رغبة إدارة أوباما في الحوار الإيجابي وتبادل المصالح، ففي بكين أكدت كلينتون للمسؤولين الصينيين أنه إما نخرج معاً من الأزمة وإما نسقط معاً داعية إلى شراء المزيد من سندات الخزانة الأميركية لتمويل خطة الإنعاش للاقتصاد الأميركي ولكن وكما يقال فإن كل شيء وارد في السياسة حين يتهاوى الاقتصاد.‏

لكن يبدو أن النبرة التصالحية الهادئة للخطاب السياسي الدولي هي السائدة حالياً وأن سياسيي العالم يتناقشون ويتحاورون بحدة أقل وبمرونة أكبر وهو على النقيض من السنوات الثماني المنصرمة من عهد الإدارة الأميركية السابقة حيث حدد بوش بخشونة منقطعة النظير أن من ليس معنا فهو ضدنا، ملزماً العالم بالسير خلف واشنطن لأن القوة العظمى الوحيدة عندما تخطئ فلا أحد يستطيع محاسبتها وتدهورت العلاقات الدولية ووصلت إلى الحضيض في فترة بوش المظلمة وشنت أميركا حربين ظالمتين ومرهقتين ضد أفغانستان والعراق وتعمقت الأزمة المالية واستفحلت لتتحول إلى أزمة اقتصادية عالمية قاسية على العالم بأسره ولا ننسى التدهور البيئي ورفض واشنطن المعاهدات المتعلقة بالمناخ ناهيك عن استفزاز روسيا ومحاولة تطويقها ومحاربتها اقتصادياً وسياسياً. ولا ننسى بطبيعة الحال الهجوم المركز على الصين من باب حقوق الإنسان والديمقراطية و ..الخ.‏

وبطبيعة الحال كان لمنطقتنا الحصة الكبرى من العدوانية البوشية فجرى تدمير وقتل أكثر من مليون عراقي وهجّر الملايين من منازلهم بل ووطنهم وكانت إدارة بوش تسير مغمضة العينين خلف الكيان الإرهابي الصهيوني وتسانده وتدعم عدوانه واحتلاله للأراضي العربية، فشن عدوان تموز 2006 ضد لبنان ومقاومته وشن عدواناً آخر ضد غزة والمقاومة الفلسطينية في أواخر عهد بوش السيء الذكر، لكن يبدو أن الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة تميل نحو الحوار والمصالحة في الداخل والخارج، أي تحاول إدارة أوباما أن ترسم طريقاً مختلفة عن سابقتها مع الاحتفاظ بالأهداف ذاتها.‏

وباستثناء مسؤولي تل أبيب الإرهابيين فإن العالم يتجه نحو نبرة جديدة في الخطاب السياسي الدولي يتحاورون فيها ويتناقشون بخشونة أقل متوسلين الوصول إلى نهاية للنفق المظلم جراء الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة، ومع وجود رئيس أميركي من أصول إفريقية فإن الدول والشعوب بدأت تلتقط أنفاسها أملاً في التغيير المنتظر الذي وعد به الرئيس باراك أوباما في الداخل والخارج.‏

لذا فإن النبرة الحالية في الخطاب الأميركي تشي بتغيرات على الصعيدالواقعي يتمناها الجميع باستثناء إسرائيل المصرة على المضي في عدوانها وتطرفها العنصري، والدليل نجاح العنصري الصهيوني المتطرف بنيامين نتنياهو في الفوز بالترشيح لرئاسة حكومة الكيان الإرهابي، وهذا يبرهن من جديد أن هذا الكيان قام على الاحتلال والتوسع وهو مستمر في هذا الطريق وهو يضغط مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة على إدارة أوباما لتتوجه نحو العداء والتطرف ولتكون كسابقتها، أي إدارة بوش وزمرة المحافظين الجدد.‏

النبرة الأميركية في عهد أوباما توحي بـأن هذه الإدارة مختلفة عن سابقتها ، فالأزمة المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية يخشى من تدهورها لتغدو أزمة سياسية وهي تمسك بخناق العالم وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، إذاً فإن ترطيب الأجواء الدولية ماثل للعيان خوفاً من حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر وإلا فكيف نفهم تغير اللهجة تجاه روسيا، وكيف نقرأ مدح الصين ودورها في إنقاذ العالم من كارثة كساد عالمية محققة، واشنطن في ظل الإدارة الجديدة تبحث عن ثوب جديد تغطي فيه عيوب عهد بوش المأساوي على أميركا وعلى العالم أجمع.‏

والمطلوب إذاً من الشعوب المتعبة والفقراء لحد الإملاق والمقهورين من الظلم والاستعباد الرأسمالي الاستعماري أن ينتظروا، لكن هذا لايكفي، فلقد وعت شعوب في أميركا اللاتينية الدرس وحددت أن الطريق الأسلم هو في الاعتماد على الذات ومحاربة الظلم والاستغلال وصولاً إلى التنمية الشاملة ببلدانها، فانطلقت فنزويلا في هذا الدرب وكذلك فعلت البرازيل وتبعتها بوليفيا، صحيح أن الأوضاع العالمية تتطلب التهدئة لكنها تتطلب الاستعداد واليقظة أيضاً وما أحوجنا في المنطقة العربية التي تعاني من الاحتلال والعدوان الصهيوني المستمر للتضامن الكفاحي الهادف لدعم المقاومة ودعم التنمية معاً، لأنه وكما أسلفنا فكل شيء وارد في السياسة حين يتهاوى الاقتصاد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية