|
فضائيات والتي ما أكثر ما انتظرنا أن تلعب الدور المنوط بها, والذي عليه أن ينشر الثقافة الواعية والتنويرية, لدى جميع المتابعين لأحداثٍ تقدَّمت الأخبار فيها بعد أن غابت الثقافة إلا قليلاً مما نطق به غير مدَّعيها, وبما أوتي لهم من أخلاق تسلَّحت بوطنيَّتها وإنسانيَّتها ورؤيتها وعدالة قضيَّتها, سبيلاً لإيصال أفكارها البعيدة كل البعد عن الأفكار الحاقدة والجاحدة والتي أثبتت لنا بأن معتنقيها, هم فعلاً تجار كلمة وأصحاب مصالح جعلتهم يستبدلون النور بالظلمة. إذاً, ألا يمكننا القول وبعد أن أُتخِمنا بمفرداتِ النشرات والريبورتاجات والصور الإخبارية, ألا يمكننا القول, أننا تحوَّلنا إلى مشاهدين أكثر من مثقفين, وخصوصاً بعد أن أصبحنا مخضرمين في التمييز ما بين المحطات الصادقة والأخرى الكاذبة, ومابين المُغرقة في تضليلها والعادلة في تحليلها. أيضاً مابين المنطق الذي يوافق قناعاتنا ومتابعاتنا ومابين ذاك الذي يحاول جاحداً, وبالتضليل والتحريض والتهويل, تجريدنا من وعينا بإعلامنا ووطننا, بل وحتى ذاتنا؟.. حتماً, يمكننا قول ذلك, حتى أطفالنا باتوا ولشدّة ما تابعوا فضائياتنا والتمسوا مقدار بشاعة ما تقترفه العصابات المجرمة مثلما الفضائيات الناطقة بكلِّ ما فجَّر ودمَّر وهدرَ أماننا وحياتنا.. باتوا يعرفون, من هي الجماعات الإرهابية, ومن الذي يدمِّر ويخطف ويقتل ويتاجر ويسلِّح ويحرّض على الاقتتال وإشعال الفتنة الطائفية.. أيضاً, لطالما, باتوا يميزون مابين الدول الصديقة التي وقفت مع سوريتهم وقفة حق, وما بين تلك التي أعلنت تآمرها عليهم, ودون أن تشعر ولو للحظةٍ واحدة بأن كل لحظةِ خوفٍ عاشها أبناء شعبنا, وبأن كل قطرةِ دمٍ روت أرض وطننا, ستكون اللغة التي لن تتوقف عن إطلاقِ لعنتها, وعلى كل من ساهم في هدرها باسم الحرية.. بعد كل هذا, هل بإمكان أجيالنا أن تنسى تلك المفردات التي حفظتها عن ظهرِ وجعٍ, ماأكثر ما استشعَرته ينزف على مدى نزيفنا الذي تضمَّخت به فضائياتنا السورية؟. بالتأكيد لن تنسى. لن تنسى أبداً تلك المفردات التي تمرَّست على حفظها خوفاً وقهراً ويتماً ومعاناة, وبعد أن هُجِّرت ويُتِّمت وحُرِمت إلا من متابعةِ نشرات الأخبار التي لقَّنتها دروساً باتت ثقافتها الموجعة وعلى مرِّ الزمان والحياة.. دروساً تعلَّمت من معانيها, شجب المؤامرة والسخرية من الجامعة العربية والدول المشاركة والمستهترة, ومن الوفود الداعية إلى وقف إطلاق النار أو إلى الاستسلام والإذعان لما يُقرِّه مجلس الأمن أو سواه ممن أرادوا لسوريتنا الخنوع أو الدمار.. لن تنسى, كل الإعلاميين والسياسيين والفنانين والمثقفين, ممن فضَّلوا أن يكونوا تابعين لقوَّاد الإنسان والعرض والدين, وسواهم من الداعين للجهادِ بهتكِ الأعراض وتفجير المشافي والحدائق والمدارس والجامعات والصروح الحضارية التي هي ذاكرة الأوطان إلى أبد الآبدين.. الأهم من كل هذا, أن تلك الأجيال لن تنسى بأن شهداء وحماة الديار, هم الكرامة التي حفظت أرض وسماء وفضاء سوريتهم من كلِّ خضوع, وبأنهم, الشرف والبسالة والشجاعة التي أحاطتهم, بما سُيبقي ضميرهم مثلما ضمير جميع السوريين, بالوطنِ متَّصلٌ ومرفوع.. |
|