|
ثقافة نظرتْ إليها عين الجاسوسيّة البريطانيّة منذ مطالع القرن الثامن عشر، ومن أجل تحقيق ذلك فشلت حكومتان وهّابيّتان سبقتْ حركتها الأخيرة التي نجح، أو (أُنجِِح) فيها عبد العزيز آل سعود. لِنتحرّ الحراك الوهّابي منذ نشأته، وسوف نجد أنّه كان ذا نزعة سياسيّة عالية النّبرة،وهذا يدفعنا للتّفريق بين أن تكون قد وُلدتَ على مذهب ما،و.. أن تكون مهمّتك، وأنت صاحب سلطة، هي نشْر هذا المذهب، أو اعتماده جسراً نظريّاً/ فكريّاً لتحقيق مآرب سياسيّة، وليس ماجرى في سوريّة من (وَهْبِنة) أرياف بعينها، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي إلاّ واحداً من شواهد كثيرة، كما أنّ استقطاب بعض الأقلام التي تكتب من أجل المال لاغير، وترمي حمولات وعيها وراءها،.. وتناسل الفضائيات التي بدأت بالتّفريخ منذ ثمانينات القرن الماضي، .. هذا كلّه كان جزءاً من النّشاط الثّقافي الوهابي في الساحتين العربيّة والإسلاميّة، أي موضع الحراك المطلوب. مايجب الانتباه إليه هو أنّ الوهّابيّة، بمثولها السياسي، كانت تابعة منذ البداية، فقد كانت تبعيّتها الأولى لبريطانيا التي كانت وراء إنتاش تلك البذرة، يوم كانت عظمى، ومن ثمّ وُرِّثتْ، كما تُوَرَّث الأشياء، للأمريكان بعد تراجع الحضور الإمبراطوري البريطاني، وثمّة الكثير من الشواهد التّاريخيّة، نسوق بعضها.. - 2 - بعد معركة قامت بين قوّات ابن سعود وقوّات الشمّريّين في (حائل)، عام 1915م، انتهت بالتّعادل، «تمكّن شكسبير -(ضابط بريطاني)- من إجراء مباحثات سياسيّة مع عبد العزيز، فوضعا مسوَّدة معاهدة التزم الإنكليز بموجبها بضمان مواقع أمير الرّياض في نجد والإحساء، وحمايته من الهجمات العثمانيّة المحتملة من جهة البحر والبرّ إذا لزم بمساعدة الحلفاء...، وألزمت المعاهدة ابن سعود بعدم إقامة علاقات مع البلدان الأخرى بدون مشاورة تمهيديّة مع السّلطات البريطانيّة»- فاسلييف –تاريخ العربية السعودية- دار التقدم- موسكو 1986- ص 282 وقد نصّت المادّة الثالثة من المعاهدة على: «يتعهّد ابن سعود أن يمتنع عن كلّ مخابرة، أو اتّفاق، أو معاهدة، مع أيّ حكومة أو دولة أجنبيّة» –سا-ص 283- وأكّدت المادّة الرابعة «أنّ أمير نجد لايمكن أن يتنازل عن الأراضي، أو جزء منها، أو يؤجّرها، أو يرهنها، أو يتصرّف بها بأيّ شكل، ولا أن يقدّمها على سبيل الامتياز إلى أيّ دولة أجنبيّة، أو إلى أحد من رعايا دولة أجنبيّة بدون موافقة الحكومة البريطانيّة» –سا- الذي لاشكّ فيه أنّ الدّول تتأثّر، بهذا القدر أو ذاك، بالأسس التي تقوم عليها، وبالأساليب التي أوصلتْ هؤلاء أو أولئك، فلايمكن أن لاتتأثّر الجزائر مثلاً بميراث ثورتها النّضالي بالغاً مابلغ التّضليل، ومن هذا المنطلق نعود إلى بعض تلك الأوراق، لنضيء من خلالها زوايا خفيّة في الرّاهن، - 3 - إنّ الشخصيّات المزدوجة هي من أخطر الشخصيات، لاسيّما حين تكون في رأس السلطة، فسيرافقها هذا الازدواج مادامت حيّة، لاسيّما أنّ ماورثه الأبناء عن الأب كان، وما زال قائماً من النّاحية المبدئيّة في السّلطة، وخاصّة في مسائل الانصياع الإستراتيجي، والتّبعيّة، كُتب الكثير عن هذا المؤسّس، وعن جوانب القوّة فيه، حتى بلغت حدّ الأسطرة في بعضها، .. هذه الشخصيّة يقدّم لنا(فاسلييف) صورة أخرى عنها في علاقته بالسير بيرسي كوكس، المندوب البريطاني،.. يقول ديكسون المترجم بين كوكس وعبد العزيز «كان أمراً غريباً أن يلاحظ المرء كيف يوبّخ المندوب السامي صاحب الجلالة سلطان نجد وكأنّه تلميذ مشاكس»،-سا-306 ،.. ولكي يذكّر ابن سعود بحجمه ومن هو يقول له كوكس: «إنّه هو (كوكس) الذي يقرّر شكل الحدود وامتدادها العام»،سا- ص 306، ويتابع مؤرّخ اللّحظة فيقول: «كاد عبد العزيز ينهار تماماً، وقال بتأثّر أنّ السير بيرسي بمثابة أبيه وأمّه اللذين أنجباه، ورفعاه من الحضيض إلى مقامه الحالي، وأنّه مستعدّ للتّنازل عن نصف مملكته، بل عن المملكة كلّها، إذا أمر السّير بيرسي»-سا –ص 307، وكان الزّمن زمن ترسيم الحدود في تلك البقاع، وعلى «إثّر ذلك اخذ كوكس قلماً أحمر، ورسم بحذر على خارطة الجزيرة الحدود من الخليج العربي إلى شرقيّ الأردن»،سا- ص 307، بعد رسْم الخريطة طلب ابن سعود مقابلة كوكس على انفراد، وبدا مغتمّاً للغاية، وقال متوجِّعاً: «ياصديقي لقد حرمتموني نصف مملكتي، الأفضل أن تأخذوها كلّها وتسمحوا لي بالاستقالة،... ثمّ انحدرت من مآقيه الدّموع على حين غرّة»-سا/ ... فتأثّر بيرسي ،.. و.. «أخذ يده وأنشأ ينتحب هو الآخر»، سا/ ، ويعقّب الشاهد فيقول: «لايجب أن يغيب عن بالنا أنّ عبد العزيز وكوكس كانا ممثّلين جيّدين»،-سا- هذا العرش الوهّابي الذي أقيم بتوجيه إنكليزي في الفكرة، لدى المؤسّس الفقهي محمد بن عبد الوهّاب، وتربّص به صانعوه كلّ ذلك الزمن، حتى حانت اللّحظة لتأسيسه على التّكفير، والارتباط الكليّ بمركز القرار الغربي، ظلّ على وفائه لهذا الارتباط، فلم تختلف عليه إلاّ التّابعيّة، ولا فرق بين لندن وواشنطن، وسار الأبناء على خطا الآباء، دلّوني على موقف واحد لهذا العرش الوهّابي التّكفيري، بملحقاته، وقف فيه إلى جانب قضايا العرب، وأهمّها، وأبرزها الصراع العربي الصهيوني، لقد كان دورهم تخفيض حدّ المطالب القوميّة من سمائها القوميّة التي وصلتها أيام عبد النّاصر، إلى حدود توسّل العدوّ أن يقبل بالمبادرة التي صدرت عن ذلك العرش عام 2002م، واستطاعوا جرّ بقيّة العواصم إلى مواقعهم على أمل تحقيق شيء منها، وكانوا يعلمون أنّ إسرائيل لن تقبل بذلك، وإنّما كانوا يؤسّسون لزمن من التّنازلات التالية، ولدينا عشرات الأدلّة، وأقربها مايجري في غزّة الآن، فهم، باعتراف النّاطق الرسمي باسمهم، حمد، وزير خارجية قطر، هم (نعاج)، هذا مايريدون إيصال الجميع إليه، وهم يدركون في أعماقهم أنّ إسرائيل لن تكتفي بذلك، وما من خلاص مستقبليّ لها، إلا بتفكيك المنطقة كلّها إلى دويلات إثنيّة، وطائفيّة، ومذهبيّة،.. يدركون هذا، ويساهمون فيه، وإلاّ فما معنى أن تُرسل بواخر الأسلحة لتسليح العصابات في سوريّة، وتُهدر المليارات في سبيل ذلك، ولا يجدون لدعم غزّة غير الزيارات السياحيّة، وماأظنّ أنّ النّاطق الرسمي باسم هؤلاء جميعا، حمد الغطرائيلي، كان سهلاً عليه أن ينطق أنّهم(نعاج)، إنّه إعلان رسمي بأنّ هذا ماعندنا، واطبخوا أحمض ماعندكم، - 4 - لكي لانضيع في زحمة الأحداث، وفي المؤلم منها، لابدّ من الإشارة إلى أنّ وحدة المرجعيّة في التوجّه لدى هؤلاء هي واحدة، ولا أستثني حكّام القاهرة الآن، فهم أبناء فورة واحدة، قديماً وحديثاً، إنّه التأسيس لإقامة حكومات (إخوانيّة)، مرتبطة بالغرب، ستسعى بالتّدريج، باتّفاق مع العواصم الغربيّة المتصهينة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وإذا تمكّنت هذه المجموعة من تنفيذ شيء من هذا فلن يكون إلاّ على حساب الشعب الفلسطيني، وليس مايجري في سوريّة، منذ بداية ألأحداث فيها إلاّ أحد أهمّ أجزاء الخطّة المرسومة في عواصم الغرب المتصهين، لنتذكّر في هذا السياق حجم المساجد التي بنتْها الوهّابيّة في مختلف بلدان الغرب والشرق، وفي بعض البلدان العربيّة، واجتذاب الأئمّة غير (الوهّابيّين) لربطهم بالمسار الوهّابي الفقهي، يُضاف إلى ذلك الانتشار الإعلامي، وإصدار المجلاّت الثقافيّة العديدة في بلدان صغيرة، واستقطاب الكثير من الأقلام، وربطها، بشكل غير مباشر، بحجم المكافاة من جهة، وبأن تصبح الكتابة في تلك المجلات والصحف حاجة يواجهون بها بعض أعباء الحياة، وهكذايصبح المثقف الذي كان يظنّ نفسه مثقّفاً عضويّاً إلى مثقّف يكتب بما يستجر الدولار، لاما يعبّر عن قناعات وطنيّة، تقدميّة، وهذا أحد أجزاء تلك الخطّة التي مانظنّ أنّ ذلك العقل القاحل قادر عليها، بل هي من إنتاج أدمغة غربيّة بالغة الخبث، |
|