|
ثقافة فقد اعتدنا أن تكون الدائرة مغلقة لانستطيع مغادرتها منذ مئات السنين, بل ربما من آلافها.. نبحث عن بوارق الأمل ونصنع فسحة للفرح الذي نستمطره لكنه ما يكاد يأتي حتى يذهب بعيدا, وربما أمطر وأزهر في غير أرضنا ونحن الذين زرعناه قطرات ندىً وتكاثف غيماً فوق يباسنا الذي يكاد يحرق جوارحنا وإذا بالندى يذهب بعيداً, بعيداً,هل لأننا لانجيد صناعة الفرح وصناعة الأمل..? هل لأننا مجبولون منذ فجر وجودنا الأول بخيبات كبرى صارت تكويناً نفسياً نعيشه ولوناً من ألوان وجودنا.. هل تهلّ علينا نوبات فرح مفاجئة نهرع إلى الابتعاد عنها صامتين أو شامتين بأنفسنا ونردد سراً أو علانية (اللهم أعطنا خير هذا الضحك) نعم نريد أن نبحر إلى حيث كآبتنا وإلى حيث حقيقتنا, الى كهوف نفوسنا التي ما استطاعت أن تجد فسحة أمل ولو للحظات.. وهكذا تبدو حياتنا شريطاً من جحيم لا نار فيه ولكنّ ضباباً كثيفاً يغلفه.. هل كان الشاعر العربي الجاهلي على حق حين قال: ماأطيب العيش لو أن الفتى حجر.. ما الذي يجعله يتمنى ان يكون حجراً أهي الافراح التي ملأت سماء الصحراء القائظة أم نبوءة للأحفاد القادمين.. قد يكون الفرح الذي عاشه الأعراب في هدأة من غدر الزمن حلماً قصيراً, فلا قصور بغداد ولا جنان الأندلس ولا بساتين دمشق ورياضها استطاعت أن تؤسس لثقافة الفرح ,موجات الحزن أكبر وأعتى.. خرج الأعراب من الأندلس وتركوا زفرة (العربي) ويخرجون من جلودهم, ودمهم وتاريخهم ولغتهم, يخرجون من ذلٍّ لآخر ,ومن حراب معركة أخوية لأخرى, يصنعون فرحاً لايثمر في ديارهم, بل يمّهد لفرح آخر, للفرح الذي يرانا أرقاماً وأرضاً ونفطاً وثرواتٍ باطنة لانستحقها لأننا شعوب غير حضارية, هكذا ذات يوم وفي مطلع تسعينات القرن الماضي كتب أحد المعلقين الاسرائيليين داعياً الولايات المتحدة لاجتياح المنطقة ووضع اليد على النفط العربي لأنه ثروة عالمية يجب ألا تبقى بيد العرب, ومن حق العالم المتمدن أن يسيطر عليها.. هل قدرنا أن نصنع أفراح الآخرين, ونرقص فوق أشلاء أجسادنا..? أفراح صغيرة.. في عتمة هذا المشهد تبدو أفراحنا سكرى ولكن دون شراب, سكرى إنجازات تأتينا في اليوم ألف مرة, أفرح حين استطيع أن أصل إلى منزلي بعد انتظار ساعة على موقف الباص, أفرح حين يقف السائق وقد كشّر عن أنيابه ولقنني ألف درس بأنه لايريد هذه المهنة,وبأنه كرمى عيني يعمل, وأفرح أكثر حين أرى الشرطي يقف بجانب الجدار يمسك عصاه المرورية هاشا, باشاً , لايحرك ساكناً , لا يسأل هذا السائق ولا ذاك لماذا تخالف خط سيرك..? أفرح حين أعلم أن مدارسنا قد بدأت العام الدراسي بعد ثلاثة اسابيع من وصول الطلاب اليها, بعد ثلاثة اسابيع لا لشيء إلا لأن المقاعد غير متوفرة والمدرسين مشغولون بالتنقلات, والاسابيع الادارية في الصيف ليست إلا كذباً وتمثيلاً, وأفرح لو أن جولات المسؤولين التربويين تجدي نفعاً أو أنها تصل إلى حيث يجب أن تصل.. أفراح كبيرة.. أما أفراحي الكبيرة فهي على قدر أصحابها, أفرح لأصدقاء وأعرف أنهم ذاقوا مرارة العطالة من العمل, ووجدوا العمل ولكنهم حين وجدوه ازدادت عطالتهم, وعادوا إلى مرحلة التفلسف, الراتب لايكفينا..وما هذا العمل الذي كنا نبحث عنه, وفي الوقت نفسه لايتركون من يعمل دون أن ينال من عبقرياتهم.. أفرح حين أرى بعضاً من هؤلاء يقول: هذا مافي جعبتي وليس لديّ المزيد.. أفرح لمن ينظر علينا ويتلو مزاميره وقد شمّر عن ساعديه ليكون مثلا يحتذى.. أفرح لصديق أو لصديقة مبدعة في الفن في الرواية أو الشعر حين يقتنع أنه ليس أهم من بيكاسو ولا نزار قباني, ولا نجيب محفوظ, وأفرح أكثر حين يتواضع ويمشي على الأرض الهوينى ولايختال وكأنه محور الارض ما من أحد من قبله أو بعده.. أشعر بالغبطة والسرور حين أسمع ثلاثة او أربعة استطاعوا ان ينجزوا قراءة مجموعته الشعرية او أن يلتقطوا مكامن الجمال في لوحاته.. فأشعر بالحزن الحقيقي لمن انتفخ وتورّم وظن نفسه نقطة البداية والنهاية فيما يعمل.. وسأفرح حين تتعرى الطواويس من ريشها وتبدو على حقيقتها.. ثمة أفراح كبرى ملأت حياتنا ووجودنا كانت أفراح البحث عن معنىً لهذا الزيف الذي نراه ونعيشه وكانت فرحتنا الكبرى أننا مزيفون, صدئون, نقول مالا نفعل, وحتى تبدو مواسم الفرح وثقافة الفرح والأمل سنبقى نردد:( ألقاب مملكة في غيرأهلها..) |
|