|
دراسات وتساهم العوامل الإقليمية والداخلية في ذلك خاصة وأن المتشددين وسعوا من نفوذهم داخل الحكومة وجندوا المئات من الشبان من المدارس الدينية المنتشرة في البلاد والتي تقدر بحوالي 65000 مدرسة. هذا البلد الإسلامي اليافع, نال استقلاله عام 1971 وبعد 15 سنة من الحكم العسكري, منقسم على ذاته بين حزبين رئيسيين تناوبا على حكمه حزب رابطة عوامي بزعامة شيخ حسينة واجد والحزب الوطني البنغلادشي بزعامة خالدة ضياء رئيسة الوزراء حالياً التي ساعدت في نمو الحركات الإسلامية منذ تسلمها زمام السلطة وازدادت عمليات القتل السياسي لقادة الحزب المعارض. وجاءت التفجيرات الأخيرة لتلقي بالضوء على مخاطر انزلالق البلاد الى الهاوية ما زاد من المخاوف الإقليمية والعالمية حول مستقبل الديمقراطية في البلاد. يصل تعداد سكان بنغلادش الى قرابة 150 مليون نسمة, 36% تحت خط الفقر, نسبة الإنتاج الوطني 5,3% ومتوسط دخل الفرد 400 دولار . وتعد من أفقر الدول في جنوب آسيا والأكثر كثافة سكانية والأقل نمواً وتتعرض سنوياً لأمطار غزيرة تسبب في فيضانات تغرق ثلث البلاد والاصلاحات الاقتصادية بطيئة تعرقلها الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسين ناهيك عن فضائح الرشاوى والفساد. هذه العوامل لعبت دوراً هاماً في زيادة الشرخ داخل المجتمع البنغلادشي كما ساهمت في زيادة سعير الحرب غير المعلنة بين القوى الإسلامية المتشددة والمؤمنين بالديمقراطية في بنغلادش. خلال لقاء لي مع رئيسة الوزراء السابقة شيخ حسينة واجد توجهت إليها بسؤال: إن بلادها تتعرض لكارثتين الأولى طبيعية وهي الفيضانات والثانية من صنع بني البشر وهي الإضرابات وقلما تخلو مناسبة إلا وتدعو أحزاب المعارضة الى إضراب ويجبرون المحلات التجارية على الإغلاق وتقع المواجهات بين الحكومة والمتظاهرين? حسينة ردت بالقول بإن الحياة الديمقراطية حديثة العهد في البلاد وإن كانت تؤيد المظاهرات لكنها تحتاج الى إجماع بين الأحزاب السياسية لمنع الاضرابات, بيد أنها تجاهلت الحديث عن أسباب المظاهرات والحد من الفساد والرشوة داخل الدوائر الحكومية. وهذه الحال مستمرة مع انتقال السلطة بين الخصمين اللدودين. العوامل الإقليمية بنغلادش على محك خصمين نووين الهند وباكستان وهناك تخوف من أن تتحول الى ساحة للصراع بين الجارتين النوويتين . نيودلهي التي لعبت دوراً رئيسياً في استقلال بنغلادش(باكستان الشرقية) كانت تعتبر ذلك مثالاً لنجاح سياستها الأمنية لكنها تحولت الى كابوس دائم بعد زيادة العداء من حكومة خالدة ضياء ورفض داكا بيع الغاز الطبيعي لنيودلهي عقب الاكتشافات الأخيرة عن وجود مخزون كبير من الغاز الطبيعي في البلاد. وحتى التردد في السماح بمد أنبوب غاز من ميانمار عبر أراضيها . وتتهم الهند الاستخبارات الباكستانية بالنشاط داخل بنغلادش لتهديد الأمن القومي الهندي. وساهمت الأوضاع في أفغانستان وحركة الطالبان في صنع تحالفات بين القوى الإسلامية والعديد من قادة الحركات الإسلامية في بنغلادش الذين التحقوا في فترة الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان وتدربوا على أيدي عناصر من تنظيم القاعدة. وبدأت هذه الأحزاب بالمطالبة بتأسيس نظام إسلامي على شاكلة نظام حركة الطالبان في أفغانستان. الحركات الإسلامية 1- حركة الجهاد الإسلامي :جوجايجد أسست عام 1988 في نور باغ في جامع مسجد من قبل مولانا عبد الرحمن فاروقي ومفتي عبد الحي. وقتل فاروقي عام 90 في أفغانستان خلال الحرب ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان ,يقدر عدد أنصار الحركة 10000-12000 وتهدف الحركة الى زيادة نسبة المجاهدين الإسلاميين في العالم. لديهم معسكرات تدريب في هضاب تشيتاغونغ وسيلهوت وعلى علاقة مع حركة حكمتيار في أفغانستان متهمة بتلقي الدعم من الاستخبارات الباكستانية. 2- جماعة المجاهدين يتزعمها شهب الإسلام ومتهمة بارتباطها مع تنظيم القاعدة ولديها شبكة قوية في ثمان مقاطعات ومعقلها رانغبور وتشرف على 40 مدرسة دينية. ويعتقد بأن هذه الجماعة هي الجناح الشاب لحركة المجاهدين الأم التي نشطت في التسعينيات وقامت بتشكيل حركات مسلحة عديدة مثل جماعة الجهاد وجماعة المجاهدين وأهل الحديث جوبو شانغهاجاغراتا مسلم, جاناتا مسلم, حركة الجهاد, حزب التوحيد, توحيدي جاناتا, الفلاح وغيرها. هذه الحركة معادية للثقافة الغربية مثل دور السينما والمسارح والمنظمات غير الحكومية ومتهمة بتلقي الدعم من الدول العربية الخليجية بالتحديد. ونمت خلال السنوات القليلة الماضية بسبب إهمال الحكومة وتعاطف المسؤولين معها ,اعتقل العديد من عناصرها لكن أطلق سراحهم بكفالات مالية. اعتقل أحد قادتها أسد الله الغالب في شباط العام الجاري بعد تدخل الدول الغربية المانحة لكن مؤيديه ما زالوا طليقين. ولم تخف الحركة هويتها في إعلانها مسؤوليتها عن التفجيرات الأخيرة مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية ومحذرة الدول الغربية والولايات المتحدة (بوش وبلير) من العبث بالدول الإسلامية وطالبت بإطلاق سراح زعيمها أسعد الله الغالب. 3- شهادة الحكمة متهمة بالارتباط مع تنظيم القاعدة وظهرت للعلن بعد إلقاء القبض على مؤسسها سيد كوثر حسين صديقي الذي قضى سبع سنوات في أفغانستان وتدرب على أيدي بن لادن. تنشط وسط المدارس الدينية. 4- جاغراتا مسلم جاناتا بنغلادش أسست عام 1998 من قبل مولانا عبد الرحمن الذي يعرف بشاهي بهاي. زعيمه عزيز عبد الرحمن المعروف بصديقي عالم أو بنغلابهاي ألقي القبض عليه في أب 2002 لكن أطلق سراحه بكفالة ولدى المجموعة مجلس للشورى مؤلف من سبعة عناصر ويضم قرابة 10000 عنصر. ومصدر التمويل الرئيسي من عمليات ابتزاز الأغنياء في مناطق النفوذ وحالياً يستثمرون الأموال في تجارة الأسماك والبرادات. ويهدف التنظيم الى تأسيس نظام شبيه بالطالبان في أفغانستان. العوامل الاقتصادية تعتمد بنغلادش بشكل رئيسي على الهند بسبب الموقع الجغرافي لكن الجزء الشمالي من البلاد يفسح المجال لتعاون اقتصادي مع ميانمار والصين وتايلند خاصة بعد اكتشاف الغاز الطبيعي والفحم وغيرها من مصادر الطاقة الأخرى. الانتخابات المقبلة من المتوقع أن تجرى الانتخابات العامة في بنغلادش عام 2007 وسط انقسامات سياسية داخلية حادة وقلق دولي وزيادة الخلافات بين الحزبين الرئيسين الخصمين. وينظر الى خالدة ضياء أنها تستمد مصدر نفوذها وسلطتها في البلاد باعتمادها على قوات الجيش والشرطة والاستخبارات,وليس على صناديق الاقتراع خاصة بعد انحسارحزب الجنرال إرشاد (حزب جاتيا). وهذا ما يفسر زيادة أعمال القمع والتعذيب للمعتقلين واستهداف الخصوم السياسيين. وكان حزب بنغلادش الوطني بزعامة خالدة ضياء قد وصل الى السلطة بعد التحالفات مع أحزاب إسلامية صغيرة (مجلس الاتحاد الإسلامي أسس 1990 ويضم سبعة أحزاب) تطالب هذه الأحزاب بتحويل بنغلادش الى دولة خلافة إسلامية. هذه المخاوف زادت من حالة عدم الاستقرار السياسي وعرقلة النمو الاقتصادي والاصلاحات السياسية الأمر الذي زاد من رصيد رابطة عوامي وكان ذلك جلياً خلال الانتخابات الأخيرة في مدينة تشيتاغونغ,ثاني أكبر مدينة, في أيار من العام الجاري التي جاءت لصالح الحزب المعارض. بيد أن الأحزاب الدينية تستغل نفوذها وسط الطبقات الفقيرة لتقديم الدعم للحكومة الحالية المتعاطفة معها. ويرى العديد من المراقبين أن ذلك يحقق مكاسب سياسية للحزب الحاكم قصيرة الأمد إلا أن ذلك سينعكس سلبياً على الأحزاب السياسية والديمقراطية في البلاد. وتحولت الهند الى عامل مثير للحماس الوطني في الحملات الانتخابية وكثيراً ما توجه الحكومة الحالية التهم للاستخبارات الهندية على أنها وراء زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة البلابل ودعم الأعمال التخريبية, وأن هناك العديد من الحركات الإسلامية المشبوهة والمحظورة من صنع الاستخبارات الهندية منها غاغرات مسلم جاناتا بنغلادش, وجماعة المجاهدين. الأمر الذي زاد من الشرخ بين العاصمتين وجاءت المناوشات الحدودية لتزيد من تفاقم العلاقات والجفاء, ورفضت الهند المشاركة في قمة رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي المعروفة بالسارك بداية العام الجاري لأسباب أمنية. ويرى العديد من السياسيين الهنود أنه بتوجب على الحكومة تغيير سياستها تجاه بنغلادش التي تحاول جاهدة إقناع نيودلهي بأهمية التعاون الاقتصادي والتقارب السياسي لتحسين مستوى الحياة المعيشية في بنغلادش من جهة والولايات الهندية الشمالية الشرقية من جهة ثانية ما سيساهم بشكل كبير في تسلل البنغلادشيين الى تلك الولايات وتخفيف حدة التوتر والهجرة إذ تعد هذه القضية من الملفات الساخنة بين البلدين ومصدراً للتخوف من التغير الديموغرافي بين أبناء القبائل سكان الولايات الشمالية الشرقية والتي تعرف بالشقيقات السبع. ويتعرض المسلمون هناك لأعمال عنف بحجة أن معظمهم من السكان غير الشرعيين ومن أصول بنغلادشية. وهناك الكثير من الخلافات بين البلدين منها المسألة الأمنية, النزاعات الحدودية وحقوق تنقل السفن والترانزيت ويرى صناع القرار في بنغلادش بأن نيودلهي تبالغ.في قلقها الأمني في حين التعاون الاقتصادي ضئيل ما يزيد من عمليات التهريب والتجارة غير الشرعية التي تصل الى قيمة مليار دولار سنوياً. مبادرة رئيس الوزراء مانموهان سينغ الأخيرة أذابت بعضاً من الصقيع في العلاقات خاصة بعد موافقة نيودلهي على حضور القمة المقبلة لرابطة السارك في العاصمة داكا. باكستان بدورها استغلت الخلافات بين الحزبين الرئيسين ولعبت دوراً هاماً في دعم المدارس الدينية والحركات الإسلامية المتشددة وهي أكثر تقرباً للحكومة الحالية أكثر منها مع رابطة عوامي التي كانت مقربة لنيودلهي. خلاصة القول أن مستقبل بنغلادش غامض بعض الشيء ومهدد والتفجيرات الأخيرة وضعت الحكومة تحت المجهر ولعلها بمثابة هزة داخلية لإعادة النظر في السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة والعمل على حفظ الأمن والقانون. كما دخلت الولايات المتحدة لتلعب دوراً في الشؤون الإقليمية حيث تمارس ضغوطاً على داكا لكبح نشاطات الجماعات الإسلامية التي تعتبرها تشكل خطراً على مصالحها الإقليمية, وتطالب واشنطن داكا بحظر نشاطاتها واعتقال زعمائها. وهناك حديث عن تعاون أمني كبير سري بين الاستخبارات المركزية الأميركية والحكومة البنغلادشية التي يراها العديد من المتهمين بشؤون جنوب آسيا على أنها ورقة ضغط قد تستخدمها واشنطن لخدمة مصالحها الإقليمية والتقارب مع الهند وسياسة تحجيم الصين. وبنغلادش التي حسنت من الأوضاع المعيشية والتعليم والصحة ما زالت مهددة بالإنهيار سياسياً وإذا لم تضع حداً لنشاطات المتطرفين التواقين لتسلم السلطة وتحسين سمعتها العالمية فإنها قد تقع فريسة القوى المعادية التي تسعى الى أن تتحول بنغلادش الى بؤرة للإرهاب كما هي الحال في محاولاتهم في العراق وأفغانستان. متخصص بالشؤون الآسيوية |
|