تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(إيباك) في معاقل صنع القرار الأميركي

دراسات
الأحد 2/10/2005م
تيسير درويش

بات من المسلّمات عند التكلم في أي حديث يتطرق الى موضوع الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل, أن تطفو الى السطح أسماء شخصيات بعينها تنشط وراء هذا الانحياز وكذلك مجموعات (منظمات-لجان-مراكز دراسات) عرفت بتأثيرها القوي والفعال على دوائر صنع القرار في أميركا.

ولكن سيكون من الصعب التعرف على نشاط قوى الضغط الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة, دون الوقوف على نشاط لجنة إيباك وهي لجنة الشؤون العامة الأميركية (الإسرائيلية) المعروفة اختصارا بهذا الاسم (ايباك) كونها من أقوى المجموعات التي تنشط لمساندة إسرائيل وسياساتها.‏

حيث تبدو هذه المنظمة (حالة نموذجية عريقة) دالة بشكل واضح وسافر على نشاط اللوبي الإسرائيلي.‏

وما دام نشاطها قديما وونافذا في الحياة العامة الأميركية, فقد عرف عنها الاجتهاد الدائم في محاولتين: 1-التأثير في سياسات الولايات المتحدة.‏

2-التأثير على خيارات صانع القرار الأميركي.‏

ولا يبدو التعرف الى نشاط مجموعة الضغط هذه بالأمر العسير, فقراءة متأنية في إحدى وثائقها القديمة الجديدة مثل المقررات والدراسات والتوصيات الصادرة عن مؤتمرها السنوي الرابع والعشرين في حزيران 1983 كفيلة بتسليط الضوء على مجموعة اللوبي هذه, التي اشتهرت بحضورها القوي في أوساط صنع القرار الأميركي.‏

ففي تلك الوثائق يحدد قادة ايباك ما يرون أنه سر نجاحها انطلاقا من زعمهم أن عملها يقوم على القناعة المشتركة بأن لوجود اسرائيل أهمية حيوية بالنسبة الى أميركا وبأن أميركا ذات أهمية بالغة وحاسمة بالنسبة لإسرائيل.‏

والواضح أن ايباك التي تأسست في الخمسينيات من القرن الماضي وتتخذ من واشنطن مقرا لها, لا تسير بمعزل عن تصورات محددة ترسمها لذاتها, فهي تضع نصب عينيها أهدافا مرحلية تقررها مؤتمراتها السنوية الموسعة من قبيل إعادة توطيد الروابط المعنوية بين الدولة العبرية والولايات المتحدة والتي هي أساس العلاقة بين الجانبين وفق منظور اللجنة.‏

ول(ايباك) دور كبير في حصول الحكومات الإسرائىلية المتعاقبة على مساعدات طائلة, وقد ثبت من خلال الوثائق أن لها ضلعا في الاخفاق الانتخابي الذي مني به عضوان بالكونغرس في المرحلة التي عقد فيها المؤتمر عام 1983 لأنها عرفت عنهما معارضتهما لتوجهاتها.‏

والمثير للاهتمام استنادا الى الوثائق نفسها هو تضاعف أعضاء ايباك في العام الذي سبق ذلك المؤتمر ليبلغ 44 ألف عضو علما بأن قيمة الاشتراك للعضو الواحد بلغ ألفي دولار? ولكن من الوهم ربط ميزانية هذه اللجنة العملاقة بهذه الاشتراكات لوحدها.‏

وفي حين يتميز عمل ايباك بالدقة والتنظيم فلأنها لا تترك مجالا للارتجالية والعشوائىة حيث لا ينبع نشاط عناصرها الفاعلين من فراغ لأنها تعمل على تنظيم دورات تدريب على الكسب الجماهيري والاستقطاب السياسي, وفضلا عن المؤتمرات الرئىسية فقد تولت هذه اللجنة الناشطة تنظيم دورات تعليمية وتدريبية على أساليب كسب الأصدقاء وركزت بشكل خاص على كيفية استمالة الكونغرس والتأثير عليه, وعلى طرائق العمل في الجامعات والمعاهد وعادة ما تسترعي انتباه ناشطيها الى ضرورة تحاشي اللجوء الى الطرق التي تترتب عليها نتائج سلبية أو آثار جانبية.‏

وبالعودة الى مرحلة الثمانينات سيتضح أن إيباك كانت منشغلة وبشكل يفوق التوقع بما كانت ترى أنه تعاطف متزايد مع الفلسطينيين خصوصا مع اطلاع الرأي العام الأميركي بشكل لم يسبق له مثيل على تجاوزات قوات الغزو الإسرائيلية في لبنان وعلى الفظائع التي ارتكبت في مخيمي صبرا وشاتيلا زيادة على مؤشرات نمو قوى الضغط العربية والاسلامية وعلى ضوء ذلك تولت ايباك تعيين موظف مختص لديها لمتابعة هذه الموجة ورصدها استعدادا لتطويقها.‏

كما استخدمت ايباك أيضا أساليب شتى في تشويه الخصوم الذين قد يتمثلون أحيانا في دول عربية معينة أو في منظمات ناشطة في الساحة الأميركية أو حتى في المقاومة الفلسطينية وقواها الفاعلة.‏

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد خاضت مجموعة اللوبي هذه المؤيدة لإسرائيل في ملفات ( مادرجت على تسميته) ب( الخطر الإسلامي) المزعوم على الولايات المتحدة وساهمت بجهود حثيثة في تشويه النشاط العربي والمسلم في أميركا.‏

وتبدو الأكاديميات الأميركية مساحة تحرك واستقطاب فاعلة (للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائىلية) ليس فقط لاستقطاب كوادر شابة جديدة لديها وإنما لكبح جماح بعض الميول الجديدة التي عادة ما تنشأ في الأوساط الجامعية.‏

وتولي هذه اللجنة ذات الامتداد الواسع اهتماما خاصا لرصد أقوال المحاضرين في الجامعات المؤيدين للحقوق الفلسطينية والمعادين للاحتلال الإسرائىلي.‏

فبشكل لا ينفصم عن حرصها الدائم على كسب تأييد الأجيال الجديدة أو تحييدها على الأقل, فقد دشنت إيباك منذ العام 1980 برنامجا يختص ب(تنمية الزعامة السياسية) على حد تعبيرها.‏

ومن وسائل العمل التي اشتهرت بها مجموعة اللوبي الموالية لإسرائيل هذه, محاولة إحراج المحاضرين في الجامعات والمنتديات العامة, المعروفين بمواقفهم المعارضة للسياسات الإسرائيلية حيث تتم محاصرتهم بتوثيق كل ما أمكن من أقوالهم المبثوثة في شرائط مسموعة أو نصوص منشورة أو وسائل إعلام متفرقة بعد أن تعمل على التقاط عبارات مجتزأة من سياقها لتشكل سيرة ذاتية مشوهة عن هؤلاء.‏

غير أن ذلك لم يأت من فراغ فميزانية ايباك هائلة وترفض إدارتها الافصاح عن مصدر الأموال التي تتدفق عليها, وهي تعمل على جلب الدعم لنشاطها من رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية الرئىسة..وتحتفظ بسرية أقسامها التي تقدم الملفات للسياسيين والصحافيين والأكاديميين والمنظمات التي تزود مجالس الجمعيات المحلية اليهودية والتي بدورها تزود الجمعيات والناشطين المؤيدين لإسرائيل بمعلومات تهدف الى النيل من منتقدي سياسات الاحتلال.‏

وما يعد أمرا فريدا من نوعه لشبكة لجان العمل السياسي التابعة ل(ايباك) أن جميعها يعمل بفاعلية تحت لافتات وهمية لا تشعر المراقب العادي أن الأمر يتعلق بتشكيل مخصص لدعم المرشحين المؤيدين لإسرائيل, واستخدام كافة السبل, حتى غير المشروعة لإسقاط منتقديها ومعارضيها, وفي هذا الصدد يشير ريتشارد كيوريتس الى أنه في اجتماعات العضوية ل(ايباك) التي يحظر على الصحافيين حضورها تفاخر رؤساء المنظمة بأنها كانت وراء هزيمة اثنين من أكثر قادة لجان العلاقات الخارجية تميزا, وهما الديمقراطي ويليام فولبرايت حاكم اركنساس, والجمهوري تشارلز بيرسي حاكم ولاية ايلينوس, أما بقية القائمة التي تشتمل على أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ وأعضاء من البيت الأبيض ممن لعبت إيباك دورا في هزيمتهم فأطول من أن تحصى.‏

لقد دأبت ايباك وهي تؤكد لقاعدتها من الأعضاء والمؤيدين والمتبرعين بسخاء تميزها وكفاءتها, وتنطلق في هذا من قدرتها على حشد الأصوات وضخها في صناديق الاقتراع للمرشحين المفضلين لديها, وهي تشير الى انتشارها الجماهيري وقدرتها على الضغط وتوجيه الرأي العام أيضا..لا يبدو أنه دعاية ذاتية مما لا ينبغي التسليم به على كل حال في القراءة الموضوعية المجردة عن الأحكام المسبقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية