|
اقتصاد فإن حالة الغياب التام لأي معلومة تنبىء عن تجاوز هذا القانون مرحلة الدراسة, ودفعه إلى مجلس الوزراء يجعلنا أمام احتمالات تأجيل منتظرة قد لا تتفق مع شخص الدكتورة الحج عارف العازمة على اقران اقوالها بالأفعال. إلا أننا نعترف أنه لا يزال الوقت لصالحها لو تسنى لها أن تكون آخر أيام هذا الشهر متوافرة لصالح مناقشة المشروع في الحكومة, ولعل في هذا ما هو أبعد من الممكن كما هو متوقع.. أبعاده الثلاثة وفيما لا يختلف أحد مع السيدة الوزيرة على أن تقادم الزمن على القانون المعمول به حالياً وهو منذ عام 1959 أي منذ نحو 45 عاماً يجعل منه غير قادر رغم كل التعديلات التي طرأت عليه على مواكبة العديد من التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي استجدت على المستوى المحلي والعربي والدولي. فإن عدم الاختلاف يجعلنا في صف واحد للتأكيد معها على أن قانون العمل الحالي قاصر على الاستجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة وخاصة ما يتعلق بانفتاح اقتصادياتنا على سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي ما يفتح المجال واسعاً أمام دور متنام للقطاع الخاص يجعل منه شريكاً فاعلاً في عملية التنمية الاقتصادية. وحسب الدكتورة ديالا فإن القانون الجديد يدرس من قبل لجنة متخصصة فنية (حضرت الثورة إحدى جلساتها) على أبعاد ثلاثة, أولها البعد الاجتماعي وهدفه جعل القانون المذكور أكثر قرباً ورعاية لجميع الشرائح الاجتماعية من خلال إعادة النظر في القواعد والمبادىء الناظمة لعمل العديد من هذه الشرائح (المعوقين -الاحداث -النساء..). أما البعد الثاني وهو الاقتصادي فهدفه تكريس البعد الاقتصادي لقانون العمل كعامل مساعد ومحفز للتنمية وإيجاد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة من خلال الاعتماد على الدور الفاعل للمؤسسة الاقتصادية في القطاع الخاص كشريك مساهم في عملية التنمية والتحديث. أما البعد الثالث وهو البعد القانوني فهدفه إعادة تنظيم العلاقة التعاقدية القائمة بين طرفي العقد (العامل وصاحب العمل) لجعلها أكثر عدالة وانصافاً لطرفي العلاقة دون أن يؤدي ذلك إلى الاضرار بحقوق طرف على حساب الطرف الآخر. ويذكر أن قانون العمل اعتمدت اللجنة في إعداده على قراءات مستفيضة لقوانين العمل المعمول بها في دول عربية متعددة وكذلك راعى القانون أحكام الاتفاقيات العربية والدولية النافذة في القوانين الداخلية, ما يجعل القانون أكثر انسجاماً وتوافقاً مع التشريعات والقوانين العربية والأجنبية والاتفاقيات الدولية. انقضاء العمل في الميزان وعلى ضوء الجلسة التي حضرتها يمكن أن أوصف أن اهتماماً كبيراً يولى لموضوع انقضاء العمل حيث ناقشت اللجنة باهتمام كبير كل الاحتمالات المتوقعة في حالة انقضاء العمل العسفي سواء من جانب العامل أو رب العمل للوصول إلى صيغة قانونية تسمح بالمحافظة على مصلحة الطرفين دون الإضرار برغبة أحدهما بانقضاء العمل. ولعل هذا الباب هو أحد أصعب وأهم الأبواب في قانون العمل حيث يلامس مباشرة أصعب مراحل العلاقة التي تجمع العامل ورب العمل دون أن يغيب دور النص التشريعي الذي ينظم هذه العلاقة لصالح التوازن الذي يضمن مصلحة العمل ويحافظ على حقوق كل من العامل ورب العمل بآن معاً. حيث كلتا المصلحتين جديرة بالحماية القانونية لما لها من تأثير على الاقتصاد الوطني من جهة وعلى الحياة الاجتماعية من جهة أخرى وحيث كل من الجانبين يدخل في عمل الآخر دون فصل ممكن للسلبيات المحتملة في حال اختل التوازن وغاب النص التشريعي. وإذا كان مقدراً لمصلحة أن تطغى قليلاً على مصلحة أخرى كما هو الحال في كثير من قوانين العمل في العالم حيث الغالب فيها أن يحظى العامل باعتباره الحلقة الأضعف على بعض الامتيازات الضمانية فإن القول بأن هذه الأسباب مبررة مفاده أن المصلحة العامة تبرر هذا التجاوز وتعلله. والأصل في العلاقة التي تجمع بين رب العمل والعامل هي تلاقي الإرادتين على شروط واضحة (عقد العمل) إلا أن تلاقي هاتين الإرادتين لا ينفي وجوب تدخل المشرع في بعض القوانين تقديراً منه بضرورة تولي تقرير حلول نيابة عن هذين الطرفين وهذا التدخل وفقاً للقانون النافذ يعد جزءاً من النظام السائد والذي لا يجوز الاتفاق على خلافه. فمثلاً لا يجوز أن يكون نظام العمل السائد في دولة ما يقرر عدد ساعات العمل وأيام العطل في حين يكون عقد العمل المبرم بين الطرفين يبيح اهدار حق في التمسك بها.. ما يعني أن قانون العمل مفاده أن العلاقة التي تجمع الطرفين الأصل فيها حرية الإرادتين والجائز فيها الاستثناء وترك بعض المسائل إلى القانون النافذ لينظمها وقد يختلف هذا القانون من بلد إلى آخر حسب اختلافات الفكر القانوني الذي يحكم هذا البلد أو ذاك.. تلاقي الإرادتين ولعل القول بضرورة ترك المشرع ينظم قانون العمل لا يعني على الاطلاق الاعتداء على أصل العلاقة بين الطرفين وهي تلاقي الإرادتين, ولذلك نقول بخطورة وأهمية الالتفات إلى موضوع (انقضاء العمل) للوصول إلى علاقة أقرب إلى التوازن بين الطرفين وتهيىء المناخ اللازم لمشاريع اقتصادية تقوم على اليد العاملة فيصب هذا في خانة العامل ورب العمل والاقتصاد الوطني. ولم نر خلال الجلسة إلا مثابرة واضحة على الوصول إلى نص قانوني يحفظ حقوق الطرفين وإن كانت الحالة الاجتماعية في سورية تدفع لأن يميل الميزان باتجاه العامل أكثر من ميله لمصلحة رب العمل على ألا يخل هذا الميل بمصلحة رب العمل ومصلحة العمل واستقراره واستمراريته. وتعبر مناقشة انقضاء العمل سواء كانت بطلب من رب العمل أو من العامل بحالاتها المختلفة ولأسبابها المتنوعة والتي استمرت جلسات عديدة بحضور الدكتورة ديالا الحج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل عن حالة تفاعلية مع تطور وازدهار فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص والتي تجعل خيارات كلا الطرفين تتوسع باستمرار. ومن كل ما تقدم يمكن القول إن خطورة مشروع قانون العمل الذي يناقش حالياً ويفترض أنه على أبواب دفعه إلى مجلس الوزراء لمناقشته تكمن في أنه إما أن يربك العلاقة بين الطرفين أو يجعلها أكثر أمناً واطمئناناً وهذا يؤثر على الاقتصاد من حيث النتيجة. تأملات مستقبلية إن الشروط القانونية الطاغية هي وحدها التي تدفع إلى الالتفاف حولها والشروط القانونية المتوازنة تدعو الجميع بل تدفعهم إلى احترامها والعمل بها, على عكس ما هو شائع فالقوانين المتشددة تتيح لأأصحاب الاجتهادات الالتفاف عليها وبالتالي تقويض منافعها المرجوة.. وما نأمله اليوم أن يخرج مشروع قانون العمل الذي حان قطافه إلى النور متمتعاً ما أمكن بالتوازن ومستفيداً قدر المستطاع من مكامن الخلل النافذ التي طالما تم اختراقها وتحولت بعض أحكامها من منافع للعامل إلى مكائد تنصب له.. وإذا كانت بعض أحكام القانون تسمح باللجوء إلى القضاء للاقتصاص فإن القول بأن الاجتهاد لا يجد مناخه الصحي إلا عند غموض النص ما يجعلنا أمام احتمالات التأخير المنتظرة أن نوجه دعوة صريحة للقائمين اليوم على صياغة التشكيل النهائي لمشروع القانون بضرورة وضوح النصوص للتوفير على القضاء المثقل بالدعاوى مزيداً من دعاوى يكون سببها غموضاً أو نصاً يسمح بالتأويل والاجتهاد.. |
|