|
الأحد 29-9-2013 وامتد هذا الفكر الديماغوجي عبر القارات من أفغانستان إلى اليمن حتى العراق مرورا بالدول العربية التي لفحتها رياح سموم الربيع العربي الذي وصلت جرائمه المنظمة إلى سورية وعبرها إلى لبنان. المشهد متطرف بامتياز، فالدين مطية، وأدواته القتالية عصابات المرتزقة التي تم جمعها من مختلف دول العالم، من أجل نفث حقدها وبغائها وإجرامها المنظم في سورية، هذا الفعل البعيد كل البعد عن الثورة الحقيقية والحوار السياسي البناء واحترام الرأي والرأي المضاد، إضافة إلى اعتبار الاختلاف مسألة تدعو هؤلاء إلى ممارسة مشاريعهم الإرهابية المتطرفة، عبر رسم حدود جديدة لسورية والعراق ولبنان، تخضع لإماراتهم الدينية المتطرفة، التي تصدر الفتاوى بقتل الآخر المختلف عنهم في العقيدة الدينية، بناء على مفاهيم مغلوطة ومضللة تجرعوها كأس سم، انعكست مخاطره عليهم أولا وعلى الناس ثانيا من خلال أفكار شيطانية لم يدركوا نتائج فشلها وسلبياتها، حين تتحرك لعبة الأمم والمصالح الدولية ضدهم، لهذا سيتحول فشل المشهد الإرهابي المتطرف على الساحة السورية إلى أتون نار يحرق كل من شارك في تنفيذ المؤامرة اللعينة على أرضها. فما جرى في سورية يذكرنا بالحقبة «المكارثية» في الولايات المتحدة الأميركية، التي قام بها قاض بمحكمة الاستئناف الأميركية بولاية ويكنسن هو جوزيف ريموند مكارثي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث امتدت فصولها السوداء من العام 1950 حتى العام 1952 حين ثبت فشلها بتولي الجنرال دوايت أيزنهاور رئاسة البلاد. كان المشهد السياسي الذي افتعلته الحقبة المكارثية شبيها بما حصل وما زال يحصل اليوم على الأرض السورية منذ أكثر من عامين لجهة التطرف العرقي والأثني والسياسي أيضا، حيث بدأ عبر عملية زرع الحقد على الاتحاد السوفياتي، وغرس الأوهام في ذهن الشعب الأميركي لجهة ما يبيته الشيوعيون من مؤامرات كبرى على الولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأت مفاعيل الحقبة المكارثية بتلفيق التهم عبر وسائل الإعلام من أجل تأليب الرأي العام ضد الاتحاد السوفياتي، وكان التضليل الإعلامي يضخ أكاذيبه بأن ثمة من يريد تنفيذ مؤامرة شيوعية لقلب نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تنفيذ الخطة المرسومة سلفا، لهذا تم شن حملة اعتقالات واسعة بحق الأميركيين الحمر» سكان البلد الأصليين»، وكانت عمليات الدهم لا تحتاج إلى إذن قانوني أو قضائي، وامتدت على نطاق واسع في البلاد، ولم تستثن أحدا من أصحاب المواقع والمراكز والرتب العالية حتى وصل الأمر إلى مداهمة مراكز الأبحاث والتعليم والمسارح وغيرها، وكانت التهم الموجهة للجميع تفتقد الأدلة القانونية لهذا لم يكن لدى لجنة مكارثي أي دليل قاطع لإدانة المعتقلين، واستمرت هذه الحقبة السوداء في تاريخ أميركا حتى وصول الجنرال أيزنهاور إلى الحكم وكان قد سبقه اتهام لكبار قادة الجيش الأميركي مما اضطرهم إلى توجيه حملة اتهامات مماثلة ضد مكارثي والعاملين معه، وتسليط الضوء على تصرفاته المشينة التي انتهت بالإدانة من مجلس الشيوخ الذي استطاع إنهاء هذه الظاهرة المكارثية اللعينة التي سميت بالحقبة السوداء. لكن ما يؤسف له أن الإدارة الأميركية ما زالت تواجه العالم بخططها المكارثية، ومنها مسألة السلاح الكيميائي في سورية، مما يدل على أن المشهد السياسي الأميركي ما زال يلبس لبوس الحقبة المكارثية القائمة على الفبركة الإعلامية المضللة وعلى تزييف الحقائق وعلى اعتماد لغة التهديد والوعيد والعقوبات التي نبه منها مؤخرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال: « على الإدارة الأميركية اعتماد لغة التسويات بدل لغة التهديد»، لكن هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ هنا السؤال المقلق الذي يدور في كواليس الأمم المتحدة اليوم وهم يدرسون مسألة الحظر على استعمال السلاح الكيميائي في سورية، حين المسألة باتت تطال الحظر في المنطقة ككل بما فيها دولة إسرائيل، علما أن سورية بقبولها تسليم ترسانتها الكيميائية قد لعبت الورقة الرابحة التي جعلت الإدارة الأميركية ترتد عن تهديدها بشن العدوان العسكري، وقد أوضح الرئيس بشار الأسد في حديثه الأخير للتلفزيون الفنزويلي أن المسألة ليست إنهزاما وتراجعا عن السيادة وسياسة الصمود والتصدي، لأن سورية تملك اليوم أسلحة تفوق نتائجها قضية السلاح الكيميائي التي أثيرت حوله كل هذه الضجة المركبة والمفتعلة، وهذا يشير إلى أن عملية خلخلة توازن الرعب أو توازن القوة الذي تملكه سورية مع حلفائها لن يؤثر عليه أي قرار يصدر عن الأمم المتحدة حول قضية الترسانة الكيميائية، لهذا كان موقف القيادة السورية حكيما حين استطاع بحنكته إحراج كل المراهنين على سقوط سورية في الفخ المنصوب لها. لهذا ربما عليّ أن استشهد بواقعة حصلت معي، إذ حدثني هاتفيا من واشنطن أحد المسؤولين من أصل عربي وهوصديق، حين صدور القرار حول السلاح الكيميائي في روسيا،على لسان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بوجود وزير خارجية سورية وليد المعلم، قال لي: هل ستقبل سورية بالأمر، يجب أن تقبل، إن الأمر خطير جدا في حال رفضت القيادة السورية، أجبته بالقول: روسيا لا تعلن قرارا غير متفق عليه مع القيادة السورية لأن الحرص على السيادة والكرامة الوطنية هما الأساس في ممارسة السلطة في سورية واجباتها القومية والوطنية، لتاريخه لم تفهموا ما يعنيه صمود سورية، إن سورية لا تتلقى الأوامر بل تحسن تصديرها بالأسلوب المنمق والدبلوماسي، أجابني إن شاء الله يكون كلامك صحيحا، بل أتمنى. إن هذا التعاطف الواضح مع القيادة السورية لمسته أيضا من العديد من الأميركيين خلال وجودي في واشنطن، فهم يعتبرون النظام علماني وليس متطرفا وهو مختلف عن كل الأنظمة العربية في المنطقة، خصوصا لجهة حرصه على التعددية الدينية، فسورية لم تسجل في تاريخها أي مواقف عدائية للمسيحيين، بل هي مهد الشرائع السماوية على اختلافها، بينما ما يجري في سورية اليوم من العصابات الإرهابية والتعدي على المسيحيين وقتلهم وتدمير أديرتهم وكنائسهم أمر غير مقبول، لهذا فإن القاعدة وكل ما يتفرع عن فكرها الجهنمي المتمثل بجبهة النصرة وداعش وغيرها من المنظمات التكفيرية الدينية المتطرفة ما زالت تشكل البعبع المخيف للشعب الأميركي، الذي لم يتعاف لتاريخه من حادثة 11أيلول في نيويورك، والذي يتابع عبر شبكات التواصل الإلكتروني كل ما يجري من جرائم بشعة لا يرضاها العقل البشري في سورية، بحيث بات مقتنعا أن القيادة والجيش في سورية هم في حال الدفاع عن أمن المواطنين وهذا حق وواجب، وهذا ما يؤكد تزاحم محطات التلفزة الأجنبية مؤخرا على التواصل مع الرئيس بشار الأسد، والإصغاء بشكل جيد لوجهة نظره التي عممت عالميا وأصبحت ورقة رابحة في مصلحة سورية وخروجها منتصرة من المؤامرة التي حيكت ضدها مكارثيا. لهذا فإن المشهد السياسي الديني المتطرف ومؤيديه قد وقعوا جميعا في الفخ وأسقطت رهاناتهم، وهذا ما أكده خطاب أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ بدا منسجما مع تطلعات شعبه بعدم شن الحروب، لذلك أبدى قلقه من المجموعات الإرهابية المتطرفة التي تعيث فسادا وتدميرا وإجراما على الأرض السورية، وركز على الحل السياسي الذي بات جاهزا في الملفات المعدة في دوائر البنتاغون والخارجية ووزارة العدل الأميركية وصولا إلى البيت الأبيض. هذا الموقف يشير إليه أيضا التقارب الأميركي الإيراني الذي بدا كفسحة الأمل المرتقبة التي ستفرض حلولها عبر مؤتمر جنيف2 الذي بات على نار حامية، والذي أدخل المعارضة السورية وائتلافها المشبوه في أتون الفشل، بعد هذا التراجع الكبير في السياسة الأميركية والأوروبية، وعليهم الإصغاء جيداً إلى تصريح رئيس وزراء فرنسا لوران فابيوس القائل : «يجب العمل على إطلاق العملية السياسية في سورية من خلال مؤتمر جنيف» الذي ستنعكس نتائجه على العالم بأسره إذ أن فشل عمليات الإرهاب المتطرف ستكون انطلاقته من سورية المنتصرة في القريب العاجل. |
|