تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سجل أميركي غربي حافل بالنفاق والتضليل وازدواجية المعايير

أخبار
الأربعاء 25-7-2012
منهل إبراهيم

إسرائيل من وجهة نظر الولايات المتحدة والغرب يحق لها ما لا يحق لغيرها، وباعتبارها الطفل الأميركي المدلل الذي تربع على قمة الإرهاب دون منازع فمن حقها ككيان يخدم مصالحهم أن تمتلك ترسانة نووية هائلة

ولن يألو الغرب جهداً في أن يستر هذه العورة النووية أو يتستر عليها عبر ألبسة غربية متعددة تفصّل على قياس إسرائيل وإرهابها الذي لا تراه أميركا والغرب الاستعماري الذين يكافئون الكيان الصهيوني بغض النظر عن ترسانته النووية وعدم فتح ملفه لأنه وبكل بساطة متمرد على المعاهدة الدولية ولم يوقع عليها أصلاً.‏

والجميع يعلم أن المشروع النووي الإسرائيلي ما كان ليقوم لولا المساعدة الفنية الأميركية الغربية وخصوصاً الفرنسية، وكل ذلك موثق وعند مواجهة الغرب بالكشف عن تلك الوثائق, يعود إلى السطح المسوغ السخيف الذي تستخدمه الدول الكبرى دوماً عندما تُسأل عن البرنامج النووي الإسرائيلي, وهو القول إن إسرائيل «دولة ديمقراطية» ومسؤولة ويمكن ائتمانها على وجود أسلحة وقنابل نووية, فيما الأنظمة غير الديمقراطية لا يمكن ائتمانها على مثل ذلك السلاح, لأن استخدامه غير مضبوط بطرق ديمقراطية وتحت سيطرة برلمانات حقيقية.‏

ولمن نسي أو تعامى عن الحقائق نذكره أن إسرائيل (الديمقراطية), هي التي احتلت ولا زالت تحتل أراضي دول عربية, وهي التي لا تعرف سوى الحروب والعنف والقتل والمراوغة والكذب في تعاملاتها مع الآخرين, وهي التي تقوم على شرائع وقوانين عنصرية تفرق بين بني البشر بحسب أديانهم وأعراقهم وأنساب أمهاتهم, وهي التي لا تسمح بالزواج المختلط بين أتباع الديانات المختلفة، كل تلك المظاهر العنصرية, وغيرها, لا يتم التطرق إليها, بل ينظر لإسرائيل بأنها كاملة الديمقراطية ونموذج يحتذى في الرقي والحضارة وتؤتمن على سلاح نووي قد يقضي على كل المنطقة ويبيدها عن بكرة أبيها في لحظة ما وهذا ربما ما تشتهيه دول منظومة الغرب الاستعماري الأوروبي التابعة لبلاد العم سام.‏

وعلى المقلب الأخر نرى تضاعف الحشد الأميركي الأوروبي ضد المسعى النووي الإيراني, ويتم استخدام كافة أنواع الضغوط والتهديدات, بدءا بالدبلوماسية الصارمة, وتلويحاً بالحصار الاقتصادي, وتصريحاً بعدم نفي الخيار العسكري، ورأينا الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كيف اتفق مع الهند وشجعها على امتلاك السلاح النووي, فيما وضع خطاً أحمر على غيرها، وحذا حذوه خلفه المتهور في سياساته باراك أوباما، ولن نسقط من القائمة الطويلة بريطانيا التي سلحت إسرائيل نووياً وهي لا تستحي أيضاً في عدم التفوه ولو بكلمة إزاء الترسانة النووية الإسرائيلية مقابل الاندفاع اللامحدود وراء السياسة الأميركية في المنطقة.‏

إن المطالب الغربية من إيران بوقف تخصيب اليورانيوم أمرٌ لا تقبله أيُّ دولة ذات سيادة، فعملية تخصيب اليورانيوم مسموح بها في المادة الرابعة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، طالما أنها تُستَخدم لأغراض نووية مدنية، وفي الواقع فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذَيْن يواصلان تجاهلهما للترسانة النووية الإسرائيلية والتي وصلت إلى أكثر من 400 رأس نووي حربي يطالبان إيران بالتخلي عن حقٍّ قانوني لا يتعارض مع الطابع السلمي لبرنامجها وبدون شك فإن هذا المطلب الغربي يعدُّ تمييزًا مجحفًا ضدَّها.‏

كل ذلك أوصل المزاج الشعبي العام إلى التأكد من النفاق الناتج من ازدواجية المعايير الغربية إزاء القضايا التي تخص المنطقة، والإقرار الأميركي الذي يردده كثير من المسؤولين الأميركيين بالاعتراف بأنه هناك ازدواجية في التعامل مع إسرائيل والعرب, ومن لا يعجبه الأمر فليضرب رأسه في أقرب جدار, هو إقرار لا يفكك الاتهام, أو يقفز عنه, أو ينقل النقاش لما بعده, كما يأمل المقرون, بل إنه يفاقم من النقمة التي تجتاح الرأي العام العربي ضد السياسة الأميركية، صحيح أن النظرة المثالية لمستقبل المنطقة تقوم على تخيل نظام إقليمي تتوافق أطرافه على اعتبار المنطقة خاليةً من أسلحة الدمار الشامل, وعلى رأسها السلاح النووي. فهذه الأسلحة هي أسوأ الشرور التي أنتجها العالم الحديث, وهي كفيلة بإنهائه دفعة واحدة، ومن الأفضل التخلص منها حتى لا تكون في متناول يد أشرار ككيان الاحتلال الإسرائيلي الذي قد يذهب إلى أبعد مدى عندما تستبد به نزعات الشر والأنانية، لكن هذه المثالية التي يتجسد جزء يسير منها في اتفاقات وأعراف القانون الدولي, لا مكان لها, مع الأسف, في التسييس الدولي والإقليمي في عالم اليوم. كما أنه لا يمكن مطالبة طرف ما بأن يلتزم بمبادئ مثالية، والمناداة بالالتزام بها أمر صحيح من ناحية جوهرية, فيما توغل أطراف أخرى في سياسات واقعية متوحشة قائمة على أسس المصلحة الذاتية بغض النظر عن المصلحة الجماعية للإنسانية.‏

ومع ذلك فإن المجتمع الدولي يزداد وعياً تجاه هذا النفاق والكيل بمكيالين، وما زال يطالب أيضًا بنهاية التحيُّز لإسرائيل، وبإخضاعها لقواعد نظام حظر الانتشار النووي، وإجبارها على التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وعلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تعلم أنها لن تستطيع الاستمرار في سياساتها الحالية دون السقوط في تشويه كاملٍ لسُمعتِها، ويمكن أن ينطبق هذا القول على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تضغط لوقف برنامج إيران النووي، بينما تَغُضُّ الطَّرْف عن تطوير إسرائيل لترسانتها النووية بشكل سريع ودون أي حسابات لعواقب ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية