تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوطن بوصلة التوجّه في العملية السياسية

شؤون سياسية
الخميس 19-7-2012
بقلم الدكتور فايز عز الدين

غداً ينتهي التفويض الأولي لمهمة السيد كوفي عنان بخصوص خطته ذات النقاط الست حيث بدأت قبل تسعين يوماً من يومنا هذا, ومع أن المبعوث الأممي قد أرسل بعثته في معظم مناطق الأزمة السورية وعاينت هذه الأخيرة الوقائع على الأرض السورية, واستمعت إلى الناس من مختلف مشاربهم,

وأحوالهم وأعطت لرئيسها الجنرال مود, ومن ثم السيد عنان مطالعاتها اليومية, وتفسيراتها لما رأته وتلمسته على الأرض, ولما تأكد لها من الذين يحترقون بنار الفتنة التي لا حاجة لها لو أن البوصلة- بالأساس- هي وجود الوطن, وحياته المشتركة, ووحدته الجيوتاريخية؛ نعم لقد وصلت البعثة المعنية, أي بعثة المراقبين الدولية إلى تحديد عناصر في الأزمة السورية كانت قد اعترفت فيها البعثة العربية بقيادة الفريق الدابي. ولَحْظَتَها في تقريرها لكنها لم تحظَ بالموافقة الأمرو أورو عربية عليها, وسُحب تقرير الدابي من التداول, ولم يُقبل, ولو بمثابة ورقة عمل غير أساسية في مشروع البحث عن حل سياسي, أو عند القيام بأي عملية سياسية يمكن التوافق عليها.‏

وربما كان وقتُ انتهاء مهمة المراقبين العرب آنذاك ما يزال يسمح لأصحاب الرغبات بأن يواصلوا الطريق الذي رسمته لهم الجهات المعروفة, وخاصة حين استطاعت هذه الجهات أن تنفخ بالجسد الميت للجامعة العربية, وتصنع منه جسداً مفعماً بالحياة, وبالحيوية, والقدرة على اتخاذ الموقف والقرار طالما أن الأمر يتعلق بتهديم الوطن الجيوتاريخي للعرب ونسف ما بناه الشعب من مكونات- ولو محدودة – للدولة الوطنية التي إن لم تكن الحامل المادي المطلوب للدولة القومية للعرب, ستبقى في أسوأ الأحوال مؤسسة حقوقية وسياسية توحّد الشعب فيها, وتضع معه المقدمات الممكنة للدولة العربية المتطلع إليها, وغاية الحلم في المشروع القومي والإنساني للعرب. فالجامعة التي لم تُقْبَل بالأساس في ميثاقها, ووسائلها, واستراتيجياتها إن تعلّق ذلك بالوجود العربي, وبالمصير المشترك للعرب على أرضهم, صارت اليوم أهم مؤسسة فاعلة في الحياة السياسية والقومية للعرب حتى تكون قراراتها المسيطر عليها السند اللازم للذين يعملون في إطار الأمم المتحدة, ومجلس الأمن كي يهدموا النظام العربي, والدولة الوطنية الحاضرة ويصلوا عبر شعارات أختُبرت منذ زمن المتغيرات الدولية في القرن الماضي من عام 1985-1991 حين طرح الغرب الإمبريالي قضايا التغيّر في النظام الدولي من أجل تحسينه, وقضايا حقوق الإنسان من أجل تطوير آليات العمل فيها على صعيد عالمي, وقضايا عالم متكامل المصالح, متبادل المنافع لا تحكمه أو تتحكم فيه سياسات الأحلاف العسكرية التي أوصلت البشرية إلى شفير الهاوية. وحين انطلقت ماكينة التحقيق لهذه التوجهات أسفرت النيات عن أن هذه القضايا هي متحققة في النظام الرأسمالي العالمي. ولكنها مفقودة وحسب في النظام الشيوعي العالمي, وفُكِّكَتْ وفق هذا منظومة الدول الاشتراكية وزال الاتحاد السوفياتي من الوجود ولم تستفد البشرية من هذه النتائج حيث كان المنتصر الوحيد الصهيونية التي أزالت من خارطة العالم الحليف القوي للعرب, والعملاق الذي كان يفرض في القرار الدولي مسألة التوازن الدولي ويقف إلى جانب الحقوق الوطنية المغتصبة لكل أمم الأرض. إذاً؛ إن الطروحات التي تأتي من الطرف الأمرو صهيو أوروبي ومن يحالفهم لا يمكن أن تكون في مصلحة دول الأرض المحسوبة على دول التحرّر الوطني, وما يلفت النظر حينذاك أي من عام 1985-1991 أن الصين ومن معها من الدول الاشتراكية لم تأبه بما تم الترويج الدولي له تحت مسمّى رياح التغيير, وقد قال رئيس الصين آنذاك:« إن أجدادنا قد علّمونا بأن العدو لنا يأتي دوماً من الغرب». وهاهي الصين اليوم تعد أهم قوة قادمة إلى عالم الغد اقتصاداً وسياسة وعسكرية.‏

ورغم ما حدث ونتج عنه من هدم المنظومة الشيوعية, وتفكيك الاتحاد السوفياتي بقيت حقيقة أن الأمم الحيّة ولو أصابتها الكوارث ودمّرت لوناً من ألوان وجودها لكنها سرعان ما تنهض وتعود إلى ساحة العالم لاعباً جيواستراتيجياً قوياً والاتحاد الروسي اليوم يعود ويستعيد حضوره في القرار الدولي,ويستعيد عزته وطناً ومواطنين وهاهو فائضه التجاري يزيد على / 110/ مليار دولاراً في العام المالي الذي انصرم. ووفق هذا السياق هل نراجع – نحن العرب – حقيقة أننا تحت مسميات يهللون لها في الماكينة الإعلامية الدولية ليقدموها لنا على أنها مشاريع خلاص, وتكون هي بالأصل لا غاية لها سوى خدمة الصهيونية وكيانها, ومع الأسف أن قادة الأمم الموجودة على هذه الكرة يفكرون, أول ما يفكرون بالوطن الذين يحيون عليه أرضاً وتاريخاً وحضارة ولا يتحركون إلى أي اتجاه دون أن يكون الوطن هو البوصلة, ونحن – أقصد القادة العرب المعنيّين وزّعونا في سايكس بيكو أقطاراً ولم نعترض, واحتلوا فلسطين ولم نقاوم, وسيطروا على ثرواتنا ولم نتّهم, وهاهم يهوّدون أرضنا العربية, والقدس التي قال عنها بن غوريون: إن إسرائيل لا تعني شيئاً دون القدس, وكذلك القدس لا تعني شيئاً دون الهيكل – هيكل سليمان المزعوم – ومنذ أن سمعنا هذا القول حتى اليوم ما زلنا حلفاء لأمريكا وأوروبا صانعتي إسرائيل, ولا زال قرار الغالبية العربية مرهوناً لهما, ولو خسرنا آخر شبر من أرض وطننا العربي, واليوم في سورية حين تتمسك جماهير الشعب الوطنية بوطنها يستنكرون عليها هذا التمسك ويحاولون تدمير الوطن السوري ودولته. وفي اجتماع لافروف مع عنان في منتصف هذا الأسبوع تكشفت كل أشكال التحريف الغربي لنتائج اجتماع جنيف وخاصة الخروج على الوثيقة المعنية بما يترك المجال مفتوحاً للبند السابع والتدخل الخارجي ولا سيما في الاجتماع القادم لمجلس الأمن, والسؤال الذي برسم الجميع هو: هل نعمل لكي يبقى الوطن؟!!!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية