تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشـــخصية فــي العمـــل الأدبـــــي..!

ثقافـــــــة
الخميس 19-7-2012
رمضان إبراهيم

يرى الكاتب والروائي «سومرست موم» أنه من الصعب، بل، ومن الحالات النادرة جداً التي تمد الحياة الكاتب بأيّ قصّة جاهزة. لأن الحقائق في أغلب الأحيان تكون متعبة جداً، وتعطي إيحاءات تثير الخيال ولكنها تكون ميالة عندئذ إلى ممارسة سلطة لا تكون إلاّ هدامة!

لقد جرت العادة في عالم الفن والأدب منذ بدأ الناس يؤلفون ويكتبون أن تكون هناك أصول واقعية لما يخلقه المؤلفون، واعتقد أن تلامذة شكسبير يجدون أصلاً للسيد «شالو».. وهذا ما نجده أيضاً عند «ستندال» الذي كتب في احدى مخطوطاته أسماء الأشخاص الذين استوحى منهم شخصياته.‏

وقد كتب أيضاً «تورجنيف» أنه لم يستطع أن يخلق شخصية ما لم ينطلق من خياله في البدء من شخص حي. وفي الحالة التي تشذ عن هذا المبدأ،أي عندما يخلق الكاتب شخصية لا مثيل لها على أرض الواقع، فهو يعتمد في ذلك على الأشخاص الذين مازالت تحتفظ بهم ذاكرته، ولايستطيع القول إنه قد خلق شخصيته من العدم، أو من غريزة الخلق لديه.‏

ما أقوله هنا يأتي في سياق ما قاله تورجنيف في إحدى لقاءاته عندما أكد أن الكاتب لن يستطيع أن يعطي لما يخلقه أي حيوية ومزاجاً عقلياً، ما لم يكن في ذهنه / الكاتب / إنسانٌ معيّن يستند على تصرفاته، وسلوكه، وانفعالاته، وطريقته في التعامل مع الأشياء في خلق شخصيته الروائية أو القصصية أو المسرحية وحتى الشعرية.‏

وطالما أن الكاتب يوصَّف بأنه الخالق لشخصياته في أعماله الأدبية إذ أنه يعرف القليل القليل حتى عن الأشخاص الذين تربطه بهم معرفة وثيقة، فأي منّا يعرف المحيطين به معرفة تامة؟!.. هذا أيضاً ينطبق، كما قلنا،على الكاتب، فهو لا يعرف الأشخاص المحيطين به معرفة تؤهله لأن يحولهم إلى صفحات في كتابه يظهرون في تلك الصفحات كمخلوقات إنسانية كاملة.‏

القاص والأديب باسم عبدو يرى أنه لا يوجد حدث دون فعل. ولا يوجد فعل خارج الزمان والمكان. وهذه الأبعاد الثلاثة مكمّلة لبعضها، لن يتخلّى واحد عن الآخر، فهي تجتمع في حيّز أو في فضاء يتم فيه عمل الشخصية. ولا توجد قصة دون شخصية.والشخصية من وجهة نظر القاص باسم عبدو لها مظهران متكاملان ومتباينان في الوقت نفسه. مظهر داخلي ومظهر خارجي وهي أحد عناصر القصة أو الرواية!. وهذه الشخصية قد تكون حاضرة في ذهن الكاتب ويسميها الأديب باسم عبدو (الشخصية الحاضرة أو الجاهزة) وقد تكون وحيدة، تنوب عن الشخصيات الثانوية الأخرى، التي ترفد الحدث وتجانبه دون أن تفعّله. وهناك ما يسمى (بالشخصية النامية) التي ترافق تطور الحدث أو الخبر أو الحكاية.وقد تكون الشخصية واقعية نعرفها من خلال معايشتها لنا، تمارس حياتها مثلنا في الملبس والمسكن والعادات والتقاليد ويعرفها القاص، وهنا ينتاب المتلقي عندما يقرأ القصة شعور بالفرح، لأن الشخصية تغدو صديقاً له. وتتشكل عنده قناعة بعيداً عن الشكّ، بأنها تحمل بعض سماته وصفاته. ويمكن أن تمثله تماماً. ويصل الأمر به إلى أنه يرى نفسه فيها (أو أنه هي).ويؤكد القاص باسم عبدو في هذا المجال أن الشخصية قد تكون خيالية يرسمها القاص بريشته ويكتب اسمها وحياتها بقلمه من ولادتها حتى موتها. وهذه الشخصية المتخيلة غير واقعية من جهة، وهي في الوقت نفسه لها ما يشبهها في الواقع، أي أنها متطابقة مع مثيلتها تماماً من جهة ثانية.‏

ويروي القاص باسم عبدو أنه كثيراً ما يسألونه إن كان هو الشخصية في قصصه أم لا. فالمتلقي الذي يعرف القاص عن قرب، ويعرف بيئته وعمله وسلوكه الاجتماعي وطباعه وثقافته، ويقارن بينه وبين الشخصية في القصة، يصل إلى هذا الاستنتاج. وهو في الحقيقة يمتلك نصف الحقيقة. أما النصف الثاني فهو من نصيب التخيل. وإن نقل الشخصية من الواقع إلى الورق وعدم إدخال الخيال، يؤدي إلى الجمود في السرد والجفاف أيضاً. ويخرج القصة من سياقها ومن شفافيتها ونداوتها.‏

كتبت منذ ما يزيد على عقدين القصة الواقعية والبطل الإيجابي، ولكن مع تطور أدواتي الفنية، استطعت أن أصنع البديل المعاصر. وبدأت أركز على(ضمير المتكلم وتداخله مع ضمير الغائب) أو تداخل الأزمنة. وهذا لا يعني أن ضمير المتكلم، هو أنا أو أنه يمثلني تماماً، لكن الشخصية دائماً تأخذ من الكاتب بعضاً من صفاته، مهما حاول أن يتجاهل ذلك. وبهذا تتكامل الشخصية في القصة، وتحقق الهدف الذي تعمل من أجله في زمان ومكان محددين.‏

وعلى القاص دائماً أن يهتم ببناء الشخصية من حيث مظهرها ودراسة جوّانيتها ودواخلها، والبحث عن العلاقة بين المظهرين الداخلي والخارجي، وعن سمات الشخصية وسلوكها وعلاقتها مع الشخوص الأخرى في بيئتها وجغرافيتها الاجتماعية. وكلما كانت الشخوص في القصة محدودة العدد، كلما نضج الحدث أكثر. والعكس فإن التعدد يوزع العمل في القصة التي هي في الأساس، عمل مكثف وقصير وتختلف عن المسرحية والرواية، والابتعاد عن الشخصية النمطية، الجاهزة المكرورة المعروفة للقراء، وعن الإنشائية والتقريرية. وجعل الرمز يأخذ أبعاده السياسية والاجتماعية والإنسانية. وعدم فرض الحلول على المتلقي وذلك احتراماً له وجعله يفكر ويفسر إرادياً لا قسرياً.‏

أمّا القاص مفيد عيسى أحمد فيتحدّث عن علاقته بالشخصيات التي حفلت بها قصصه في مجموعته الأولى الصادرة عن وزارة الثقافة بعنوان «ثلاثة نداءات وتصبح نجمة» أو مجموعته الثانية الصادرة عن وزارة الثقافة أيضاً بعنوان «البطل في وقفته الأخيرة» فيقول: العلاقة ملتبسة متعددة الوجوه كما قال فلوبير الشهير( إن مدام بوفاري هي أنا) وهذا القول يلخص المفهوم الأكثر شيوعاً عن تلك العلاقة إذ إن أغلب المتلقين- كما يرى القاص مفيد – من قرّاء ونقاد لا يفصلون بين الكاتب وشخصياته وفي العموم بين الكاتب والنص.‏

فالشخصية التي يقوم الكاتب برسمها لا يمكن أن تكون مفارقة له ولكن بأي معنى يتحقق هذا- يتساءل القاص مفيد- ليجيب على تساؤله بأن هذا التطابق لا يعني أبداً بأن تدل الشخصية على الكاتب بل على العكس قد تكون نقيضه وهنا يعود إلى قول فلوبير ليوضّح أن هذه الأنا هي الأنا الفرويدية بطيفها الواسع. وهكذا يمكن أن تكون علاقة الكاتب بشخصياته مباشرة واضحة وهي في هذه الحالة تتطابق معها إلى درجة أنها تكون لسان حاله و قد يتلطّى الكاتب وراء شخصياته بحيث يجعلها قناعاً لحالات معينة وقد تأتي مناقضة له بوضوح وهي في هذه الحالة تكون تعويضاً أو تأسياً..علاقتي بشخصياتي لا تخرج عما سبق، فليست هناك شخصية تنبثق من العدم، لا بد أن يكون فيها من نفسي ولكن ليس من الضرورة أن تكون مكافئاً لي، ثمة شخصيات أحبها وأخرى أحترمها، شخصيات أخرى حمّلتها كل حيرتي، وغيرها عذبتها بالقلق، وبالحب والخوف. أنا كل هذا و كل ما ذكرته لست أنا وإلا لن يكون العمل الأدبي ذا سوية فنية جيدة. ما يهمني أن أستطيع إقناع المتلقي بحيادية شخصياتي تجاهي ومفارقتها لي وهذه لعبة فنية بالتأكيد، قد أكون نجحت فيه و قد لا أكون!!‏

أخيراً‏

الشخصية القصصية سواء أكانت واقعية أو متخيلة لا يستطيع القاص أن يخرج من جلبابها فهي تدل عليه بشكل أو بآخر شاء أم أبى وقد تعكس شيئاً من عقدة معينة يحاول الكاتب ألاّ يراها أو أن يقفز عنها.. فالإناء بما فيه ينضح!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية