|
معاً على الطريق وقد غدا أكثر اقتراباً منا مما كنا نتصور، أصبح يدخل في غذائنا.. في حياتنا.. وربما يذهب مع قادم الأيام أبعد من ذلك. كيف تحولت تلك الحشرات الصغيرة الى مبيدات حية؟ معلومة لا تخلو من الإثارة.. يسمونها أو يسمونهم الجنود تلك الأعداد التي تشكل جيوشاً من الحشرات تم إطلاقها في إحدى المدن البرازيلية لتحقق مهمتها الوحيدة وهي القضاء على الحشرات الضارة بالنبات. ودون أن تدري مسكينة أنها هي ذاتها في طريقها الى الزوال إذ ليس للجنود من مهمة سوى التزاوج الذي يثمر أبناء يموتون قبل أن يكتملوا. والأمر ذاته في تعديل الجينات يتكرر مع النبات عندما تعدل البذور والخضار لإنتاج لقاحات لبعض الأمراض المستعصية والثمار هي الموز الجيني، والتبغ المضاد للتسوس، والطماطم المضادة لداء الكلب، والأرز المضاد للعمى، وثمار أخرى يقطفها سكان العالم بل سكان العالم الثالث والدول النامية والأماكن البعيدة الأخرى. عند هذا الحد من أحلام العلماء نقف ونحن نضع أيدينا فوق قلوبنا لاهثين.. والسؤال يكبر أمام كل واحد منا: ترى هل سيأتي يوم يطال فيه هذا العلم أبناءنا ليكون لكل منا أفضل الأبناء من حيث المواصفات الجسدية؟.. لعلي من الذين ترعبهم هذه الأفكار ولو أن الجانب النظري فيها يطغى على الآخر العملي بما يعني أن الطريق ماتزال بعيدة في الوصول الى ذلك الإنسان المتفوق الأكثر اكتمالاً بين سلالات البشر المتعاقبة عبر الدهور. وماذا لو أن انبهارنا بتحسين النبات وراثياً، وتعديل الحشرات جينياً، واندفاعنا في تطبيق ذلك على نطاق أوسع أقول ماذا لو أن كل ذلك أفرز سلالات جديدة من البشر تأثرت بهذه التعديلات الوراثية دون أن تدري، وقبل أن يدرك العلماء ما اقترفت أيديهم إن صح التعبير؟ ألن تبرز لنا مشكلات بيئية وإنسانية جديدة؟.. وهل ينقصنا مشكلات إضافية فوق هذه الأرض أكثر مما لدينا؟ هل سنقف واحدنا الى جانب الآخر قبل أن تنفتح أمامنا ألغاز جديدة لنقول معاً: لا.. لا لتعديل النبات.. لا لتعديل الحشرات.. ثم ألف لا لتعديل الإنسان. إنه زمن التلوث الجيني إذن بما يفوق التلوث النووي والكيماوي.. ما لا يمكن تصحيحه بسهولة.. وما سيصب على الأجيال القادمة من آثار لا يد لهم فيها. لماذا يصاب الإنسان بالجشع هكذا والعالم والطبيعة تحفل بأنواع نباتية هائلة لم يستثمر أغلبها بعد.. لماذا يهدد الإنسان الأرض وفيها مستودع نباتي زاخر لم يكتشف بعد؟ والإنسان لايزال يطلق خياله نحو الأحلام بل إنه يجمح به في كثير من الأحيان.. والعلم يقف بين يديه كمارد انفلت من القمقم.. يطيع ثم يحقق الأحلام. لكن الطريق ماتزال طويلة أمام العلماء في مجال تطبيقات الهندسة الوراثية على النبات.. ومازلنا بحاجة الى الدليل العلمي فيما يتعلق بمخاطر البيئة غير المعلومة من جراء استخدام البذور المحسنة وراثياً، وظهور جينات جديدة مجهولة العواقب نتيجة اتحاد الجينات في اللعبة الوراثية، جينات لم تكن لتظهر في الطبيعة لولا تدخل الإنسان. وبالمقابل فقد تم رصد أكثر من (250) مرضاً يصيب البشر نتيجة لذلك.. والأسباب حتى الآن ما تزال مجهولة، والأبحاث غير مؤكدة، والضمانات غير محددة، والتأثيرات على المدى البعيد غير معروفة. صحيح أن الإنسان لن يعدم الحيلة والتدبير في حل مشكلاته لكنها مناطق الخطر.. وعوالم المجهول هذه التي أصبحت تتفتح أمامنا كزهرة لوتس رائعة الجمال تتربع فوق صفحة مياه نقية بعد أن امتصت كل تلوثها لكنها الزهرة السامة.. فأي خداع في أن يجتمع السم مع الجمال. فأي وجه للعلم هذا الذي سنراه هل هو من عند الرحمن أم هو للشيطان.. لابد أن الأيام ستأتي بجواب لكل سؤال. |
|