|
شؤون سياسية يمكن أن تتعلق الأسباب الصحيحة بدوافع شتى، منها أنه يريد ببساطة أن ينأى بنفسه عن المسار الظالم الذي انتهجته إدارة جورج بوش الصغير بخصوص الحقوق الفلسطينية، أو أن معطيات واقع التعنت السياسي والحرمان الإنساني التي يرزح تحت وطأتها الشعب الفلسطيني تسبب الحرج النفسي لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما، أو أن تعاليم الفكر الليبرالي- المثالي الذي ينتمي إليه وجداناً وحزباً تملي عليه أن يتبنى تسوية الصراع العربي- «الإسرائيلي» مستخدماً الوسائل الدبلوماسية ومتحرياً العدالة الإنسانية. ويمكن أن يؤكد الرأي الآخر أن السبب الصحيح كي يتخذ الموقف الفريد الذي أعلنه تجاه الحل المطلوب للمسألة الفلسطينية يتعلق بمدى توافر الفرصة الحقيقية التي تشكل المدخل الحقيقي الذي يمكن من خلاله أن تبلور إدارة أوباما مقترحاً للتسوية المستقرة للقضية الفلسطينية، وأن تقود هذه الإدارة الجهود اللازمة من أجل تسويق مقترح التسوية السلمية وتحقيق الدعم السياسي الذي يحتاج إليه، وأيضاً أن نتمكن من فرض ترتيبات الحل النهائي على العرب والفلسطينيين و«إسرائيل» بصفتهم أطراف الصراع المباشرين. إن البراغماتية السياسية في خصوص هذه الجوانب الثلاثة الإجرائية هي التي تشكل المحك الحقيقي الذي يجب أن يحتكم إليه الدافع الصحيح لكي يعلن الرئيس باراك أوباما أنه يريد أن يتصدى لحل القضية الفلسطينية، وفي ظل غياب مثل هذا الفهم لدى الرئيس فإن موقفه المعلن تجاه هذه المسألة لا يتعدى كونه حماسة صرفة لا تجدر بالقائد الحقيقي. بيد أن حقيقة الأمر هي أن نافذة فرصة التسوية لا توجد حالياً في ساحات العرب أو الفلسطينيين أو «الإسرائيليين» وأن الرئيس أوباما لم يتمكن حتى الآن من تقديم أداء مقنع على أي من الجهات الثلاث لفرصة التسوية المفترضة. إن الرئيس أوباما يدرك الصعوبة البالغة التي يواجهها وتواجهها رؤيته تجاه المسألة الفلسطينية والتي يريد لها أن تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية في المستقبل المنظور، ولكن يبدو أن شخصيته النبيلة قد منعته من أن ينقلب على وعوده الانتخابية في هذا الشأن مباشرة بعد أن فاز بالانتخابات وتولى مقاليد الرئاسة بالفعل، وهو أمر كان بإمكانه أن يقوم به كما اعتاد أن يفعل رجال السياسة حين يتحولون من أجواء الانتخابات إلى عالم الممارسة الفعلية في كنف المناصب السياسية. وما كان لمثل ذلك الانقلاب لو حدث أن يثير لغطاً أو تحفظاً شديداً لدى أنصاره، بل على العكس من ذلك كان يمكن أن يخفف من عدائية أولئك الذين انتقدوا مثاليته المفرطة. كما أن شخصية أوباما النبيلة لا تزال تمنعه بعد مضي نحو تسعة أشهر من خوض غمار الرئاسة الفعلية، وتثنيه عن التخلي بشكل صريح عن هدف تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم الوطنية، وذلك على الرغم من إدراكه أنه يتعامل مع رئيس حكومة «إسرائيلي» على قدر كبير من التصلب والاحتيال السياسي. ليس لدى السيد أوباما أوهام في خصوص طبيعة وأبعاد الصعوبات الجمة التي يواجهها مشروع بلورة وقيادة وفرض التسوية السلمية للصراع العربي- «الإسرائيلي» وهو من الذكاء بحيث يدرك الحجم الحقيقي للعراقيل العملية التي يمكن أن تواجه جهود إدارته في هذا الشأن. واقع الأمر أننا أمام رئيس أميركي لا يملك القدر الكافي بسبب حداثة سنه من الدهاء السياسي الذي يتأتى من طول أمد فترة رئاسية أولى على الأقل قبل أن تتولد لديه التجربة المطلوبة، وإلى أن يحدث ذلك سيظل يعاني من الشكوك حول قدرته على الإنجاز الفعلي. ونميل إلى الاعتقاد أن عدداً كبيراً من طواقم الإدارة الأميركية التي تحيط به، وأيضاً معظم الأفراد الذين في مؤسسات الحكومة لا يؤمنون بالكيفية والقدر المطلوبين بالرؤية التي يحملها الرئيس أوباما فيما يتعلق بالتعامل مع الصراع العربي- «الإسرائيلي» ولا يعتقدون أصلاً بجدوى أن تغير الولايات المتحدة من أسلوب تعاملها مع هذه القضية الشائكة. هذا الأمر سيفرض على السيد أوباما أن يعمل مع فرق عمل تتكون من أناس ليسوا جادين في تغيير الصيغة المتوازنة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. من الصعوبة بمكان أن يحقق أوباما رؤيته المعلنة تجاه الصراع العربي- «الإسرائيلي» إذ إن كلا من العرب و«الإسرائيليين» غير مؤهلين للعب الأدوار المطلوبة لعون الرئيس في مهمته. ولكن إذا ما قرر الرئيس أن يستمر في التمسك بأفكاره بشأن المسألة الفلسطينية، فإنه سيتمكن من أن يميز عهده الرئاسي بخصال النزاهة التي افتقدها من سبقه مباشرة، وأن يصنع لنفسه من خلال المواقف المتوازنة مكانة فكرية ملائمة بين الرؤساء السابقين تعوضه عن فقدان العمق الاجتماعي الذي يوصم به، وتوفر له الفرصة لكي يعيد تشكيل بعض جوانب العقيدة السياسية الأميركية التي جمدت مؤسسات الدولة في قوالب العملانية الانتهازية. هذه فرصة حقيقية أمام أوباما كي يستثمر ثروته الحقيقية المتمثلة في صورة نزاهة، والتي تتوافق مع فصاحته الخطابية الملحوظة. سنكون سعداء إن نجح أوباما في تحقيق ما وعد به بشأن المسألة الفلسطينية، وإن لم يحدث ذلك فإننا نطمح إلى أن تشكل إدارته مرحلة التحول الأخلاقي التي ستستمر على قدم المساواة مع الإدارات الأميركية القادمة. |
|