|
دراسات ماهية السياسة الأميركية التي ستنتهجها أو من المفترض أن تنتهجها الإدارة الأميركية القادمة التي ستأتي بعد الحقبة البوشية, حقبة المحافظين الجدد الصهاينة والمتصهينين الذين لم يجلبوا لأميركا والعالم سوى المزيد من المصائب والكوارث الأكثر خطورة في التاريخ الأميركي الحديث والمعاصر, وهذه الوثيقة التي شارك في إعدادها أبرز الشخصيات الأميركية السياسية والدبلوماسية ذوي الخبرة الواسعة والتجربة في مجال العمل السياسي والدبلوماسي في الساحة الدولية, تبرهن من جديد مدى حماقة سياسة بوش الابن والتي بات يرفضها معظم الأميركيين وحولت أميركا إلى وحش العصر الذي تكن له شعوب العالم الكراهية والحقد وترفضها بالمطلق نظرا لانحيازها المطلق إلى جانب الظلم والحقد الذي تمارسه قوى العدوان ضد قضايا الشعوب العادلة, وكذلك لانتهاج إدارة بوش سياسة الكيل بمكيالين ودعمها المستمر (لإسرائىل) العدوانية ودعم جميع التيارات والسياسات المعادية لمصالح الشعوب والدول قيامها باحتلال افغانستان والعراق وتدخلها الفظ بالشؤون الداخلية لجميع أمم الأرض, ما وضع أميركا في مواجهة العالم التواق للحرية والاستقلال والأمن والعيش بسلام واستقرار. تتكون الوثيقة من تسعين صفحة أعدتها 400 شخصية من الخبراء السياسيين المخضرمين الذين شغلوا في مختلف المراحل مواقع ومناصب قيادية في الإدارات الأميركية المتعاقبة, واستمر العمل لإنجازها نحو ثلاث سنوات وأبرز هذه الشخصيات هنري كيسنجر وزبيغيو بريجنسكي وجورج شولتز ومادلين أولبرايت وأنتوني ليك وفرنسيس فوكوياما وفريد زكريا وجوزيف ناي وغيرهم, وتتناول هذه الوثيقة الخطوط العامة لسياسة خارجية أميركية جديدة حيال مختلف القضايا الأكثر سخونة وحيوية في مختلف مناطق العالم. أهمها قضية الارهاب والشرق الأوسط وما يتعلق بهذه القضية من مسائل مرتبطة بالأمن القومي الاميركي وحمل التقرير المقدم بهذا الشأن عنوان (صياغة عالم من الحرية في ظل القانون: الأمن القومي للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين) وينتقد وجهات النظر التي سادت في فترة حكم بوش, وشبه البعض هذه الوثيقة بوثيقة استراتيجية الاحتواء التي تمت صياغتها عام 1947 وكانت الأساس الذي رسمت وفقها استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية خلال الخمسين عاما الماضية, وما جاء في تلك الوثيقة أن الهدف منها حماية الشعب الأميركي وتوطيد أسلوب الحياة الأميركية في مختلف أنحاء العالم. صحيح أن وثيقة (الأمن القومي الأميركي) بعد بوش تنتقد سياسة إدارة بوش والتي جمعت بين الغطرسة وعدم الكفاءة ما قاد أميركا لارتكاب الكثير من الأخطاء, وهذا الانتقاد لا يختلف من حيث المبدأ والجوهرعن انتقادات وثيقة (تقرير فينوغراد) لحكومة أولمرت وإخفاقاتها في حربها العدوانية ضد لبنان في تموز عام ,2006 والمقصود أن هذه الوثيقة الأميركية هدفها تماما مثل هدف تقرير فينوغراد استعادة العافية لأميركا التي أصيبت بهزائم وخسائر فادحة سياسية وعسكرية ومادية جراء سياسة بوش الحمقاء في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى من العالم. هذه السياسة التي جعلت الولايات المتحدة تواجه اليوم أخطارا متعددة كما تقول الوثيقة- بعضها يمثل تحديات طويلة المدى وفرصا لا تحصى في مواجهتها- تحيط بالعالم الذي يضمنا والعالم الذي نريد إيجاده. وصورت الوثيقة العالم الراهن بأنه (عالم يموج بالمشكلات شديدة التنوع) وفي جملتها الأولى تقول: (بعد مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من أىلول فإن العالم يبدو مكانا محملا بتهديدات أكثر مما كانت في أي وقت مضى,وتشعر الولايات المتحدة بصورة متزايدة أنها وحيدة في العالم,وتواجه العديد من المشاكل الراهنة وفي فقرة لاحقة تقول الوثيقة:(ينبغي على الولايات المتحدة أن تنشر الديمقراطية في العالم على مدى العقود بل القرون المقبلة ليس فقط باعتبارها من القيم التي تتمسك بها,بل وأيضا لأن التاريخ يقدم لنا سببا جوهريا للإقناع بأن أمريكا تكون أكثر أمانا وثراء وعافية وسعادة,ضمن عالم من الديمقراطيات الليبرالية التي نضجت). ولكن الوثيقة لا تتحدث بصراحة كيف ستنشر الديمقراطية في العالم وخلق عالم من الديمقراطيات الليبرالية,هل ستكون بنفس الأسلوب الذي اتبعه الرؤساء السابقون لبوش الابن أم بطرق أخرى تتيح لكل شعب أن يختار بملء إرادته الحرة الطريق الذي يسير عليه وفق مصالح بلده وشعبه إن مجرد القول بالعمل لنشر القيم الأمريكية والديمقراطية الأمريكية يوحي بالاستبداد السياسي وفرض هذه القيم على الشعوب والدول الأخرى حتى ولو لم تكن ظروفها وإرادتها متفقة مع جوهر هذه الديمقراطية والقيم الأمريكية.فالحرية والديمقراطية لهما خصوصيتهما الذاتية الموضوعية المتباينة من بلد لآخر,وكان على الوثيقة الجديدة أن تشير إلى ذلك وتعلن عن احترامها لهذه الخصوصية ولا تمت للديمقراطية والحرية بصلة فيما إذا فرضت بالقوة أو بالضغط السياسي أو الاقتصادي على الآخرين.وتعرضت الوثيقة إلى ظاهرة الكراهية لأمريكا في عهد بوش ولكنها لم تتحدث بشفافية كما تقتضي الديمقراطية عن أسباب هذه الكراهية ما يؤكد أن الوثيقة تريد لا أكثر من تغيير أسلوب التعاطي بالسياسة الخارجية مع الاحتفاظ بجوهر هذه السياسة والانتقال من ايديولوجية الهيمنة وفرض الأفكار والقيم بالقوة والكف عن الحديث عن المبدأ الذي ترسخ في عهد بوش والقائل( إن ما هو في صالح أمريكا هو إذاً في صالح العالم) إلى أسلوب أكثر تمويها وتضليلا وأقل فجاجة ووقاحة كما هو حال سياسة بوش الحمقاء فعلا التي شكلت انتكاسة فعلية للسياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة,في العالم,والتي تعبر شهادة وفاة لاستراتيجية المحافظين الجدد وإدارة بوش الابن. وفي جميع الأحوال إن وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة التي قدمت بتقرير برينستون هدفها إيجاد مقومات للبقاء لأطول مدة ممكنة من وجهة نظر المصالح الأمريكية الحيوية في العالم وبطبيعة الحال من خلال حسابات مصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى التي تعاني اليوم من أزمة اقتصادية حادة لابد لها من تغيير النهج البوشي لنهج أكثر مراوغة ليكون مقبولا ولو لحين من الوقت فالسياسة الأمريكية وأشكالها المتنوعة تتحدد فقط وفق هذه المصالح وآخر ما تفكر به,بل ولا تفكر به أصلا وبالمطلق هو مصالح الشعوب التواقة لعالم خال من الظلم والعدوان والاضطهاد وقضم الحقوق الوطنية. |
|