تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القضاء على السرطان الآن .. أكثـــر مــــن 20 دواء يخضــــع للاختبـــــار الطبــي

عن الهيرالد تريبيون
مجتمع
الخميس 22-10-2009م
ترجمة : رنجس خزاعي

لم تكن هذه هي الحال عندما أعلن الرئيس ريتشاردنيكسون والكونغرس الحرب على السرطان منذ أكثر من 35 عاماً. وبما أنني عضو في المجلس الاستشاري القومي الجديد للسرطان

فقد توصلت إلى أن الأموال التي تنفق على البحث المحض لعلاج السرطان ستكون نفقات حكيمة أكثر مماينفق على إشادة مراكز صحية جديدة تعنى بمرضى السرطان وبالاخص فيما يتعلق بالتمويلات الفيدرالية على اية حال وقعت كلماتي على آذان صماء. واضطلع المعهد بمهمة صحية مغايرة وكانت مكافأتي على عدم الموافقة بطردي علنياً من المجلس الاستشاري بعد عامين فقط.‏

فالامر مناط بالمعهد القومي للسرطان في مدينة نيويورك الذي أشرف على الجهود الاميركية في مقارعة شتى أنواع مرض السرطان منذ عام 1971م وعليه الآن الاضطلاع بهدف جديد في العقد القادم ألا وهوتطوير عقاقير ذات علاجية دائمة مدى الحياة للكثير إن لم يكن لجميع أنواع السرطانات التي تفتك ببني البشر. فقد اصبح القضاء على السرطان الآن هدفاً واقعياً وذلك لمعرفتنا الأكيدة بمواصفاته الكيميائية والجينية الحقيقية.‏

ففي الوقت الذي بدأت فيه معدلات الوفيات الاجمالية لمرضى السرطان بالانخفاض تدريجياً في التسعينات من القرن الماضي استمر السرطان في القضاء على ضحاياه ليبلغ تعدادهم 560 ألفاً عام 2006م أي بزيادة حوالي 200 ألف وفاة عما كانت عليه الارقام في العام الذي سبق الاعلان عن الحرب على السرطان. وفي الوقت الذي لم تبدأ أي دراسة عن كيفية عمل السرطان حتى حلول عام 2000 فان المزيد من التفاصيل حول أنواع معينة من السرطانات بدأت تنشر هذه الدراسات بعد اتمام مشروع الجينيوم البشري عام 2003م الانجاز المذهل للإيطالي والعالم الفيروسي الحائز على جائزة نوبل ريناتو دالبيكو الذي تنبأ في عام 1985م أن هذا المشروع مطلب اساسي من أجل فهم عميق لمرض السرطان.‏

وعلى هذا الاساس وبالسرعة القصوى سنتعرف على كل التغييرات الجينية التي تتأثر بها أمراض السرطانات الرئيسية التي تقضي علينا. إننا نعلم معظمها بواسطة الطرق والممرات التي تمر من خلالها المؤشرات الصادرة عن الخلايا السرطانية. إذ يخضع الآن أكثر من 20 دواء من العقاقير التي تحاصر مؤشرات الخلايا السرطانية للاختبار الطبي بعد إظهارها محاصرة المؤشرات السرطانية في الفئران. هناك قلة من العقاقير أمثال هيرسيبن وتارسيفا الحاصلان على مصادقة ادارة العقاقير والغذاء وهما قيد الاستخدام المنتشر ولسوء الحظ لايؤدي أي من هذه العقاقير إلى علاج وشفاء دائم مدى الحياة ويعود السبب في ذلك إلى وجود الكثير من نماذج السرطانات المسببة للمحفزات الجينية المتشابهة داخل الخلية السرطانية الواحدة. ومن خلال الحصول على ال D.N.A لمحفزات كل نوع سرطان على حدة فان ذلك سيساعدنا على وصف المزيد من الأنظمة المخصصة للعلاج الكيميائي في ضوء الاضطراب الجيني لمعظم الخلايا السرطانية.‏

وبالتالي فان استخدام العقاقير الفاعلة في وجه محفزات أحادية سيؤدي إلى ظهور تنوعات جينية ناجمة عن المزيد من المحفزات الثنائية ان لم تكن الثلاثية المدمرة أيضاً.‏

وعليه فمعظم العقاقير المكافحة للسرطان لن تصل إلى قوتها التامة إلا إذا أعطيت مجتمعة مع عقاقير أخرى مطورة لمكافحة محفزات ثنائية أو حتى ثلاثية ومع ذلك فإن أنظمة إدارة التطوير الدوائي والغذاء تمنع بشدة اختبار عقاقير جديدة مجتمعة فيما لو أعطيت منفردة لاتملك الفاعلية الكافية.‏

وفي الوقت الذي كانت فيه العلاقات الكيميائية المختلطة مستهدفة فإنها تعتبر الآن خطوة متقدمة جداً إذ أنني أخشى أننا لانزال عاجزين عن امتلاك العقاقير المعجزة بين أيدينا والتي من شأنها أن توقف معظم الخلايا السرطانية المنتشرة في مسارها بآلية الانبثاث.‏

ولتطوير مثل هذه العقاقير ربما علينا أن نحول تركيزنا الأساسي عن حل شيفرة الارشادات الجينية بخصوص السرطان باتجاه فهم ردود الفعل الكيمائية داخل الخلايا السرطانية.‏

وتكمن الفكرة في أن الخلايا السرطانية ربما تملك نظاماً جزئياً عاماً موحداً غير موجود في معظم الخلايا الأخرى في أجسامنا هذا ما اقترحه الكيميائي البيولوجي الألماني الكبير اوتوووربيرغ لاحظ العالم الألماني في عام 1924م أن جميع الخلايا السرطانية تنتج كميات كبيرة من الحامض اللبني.‏

ومع ذلك لم يكتشف ما الذي عناه العالم الكيمائي روربيرغ إلا في العام الماضي :‏

وهو أن عملية أيض الخلايا السرطانية وجميع الخلايا الانتشارية توجه وعلى نطاق واسع نحو تكوينة حواجز البناء الخليوي من منتجات الغلوكوز التالفة.‏

وللعمل في الوقت ذاته على سير هذا الغلوكوز التالف في الخلايا النامية بسرعة أكبر من جريانه في الخلايا المتفاوتة يعني أن الخلايا التي توقفت عن النمو تحملت على عاتقها مهمات محددة في الجسم وهي أن الجزئيات الحاملة لمؤشرات النمو تعمل على رفع معدلات بروتينات المرسال الذي ينقل جزئيات الغلوكوز إلى الخلايا.‏

وهكذا يشير هذا الاكتشاف إلى حاجتنا لمساع جديدة جريئة لنرى ما إذا كانت العقاقير التي تستقر بشكل خاص في الانزيمات الأساسية الداخلة في تكوين الغلوكوز التالف لديها فاعلية في مكافحة السرطان.‏

فعندما كنت أعمل على إتمام رسالتي لنيل شهادة الدكتوراه في أواخر الأربعينات كان كبار المتخصصين في علم البيولوجيا من البيوكيميائيين يحاولون اكتشاف الطريقة التي صنعت وأتلفت فيها جزئيات الاستقلاب الوسطية.‏

وبعد اكتشافي مع زملائي الحلزون المزدوج لل D.N.A لذلك يجدر بالكيميائيين الأذكياء أن يتقدموا لمساعدتنا في فهم كيميائية الخلية السرطانية تماماً كما نفهمها جينياً.‏

وبما أن الشركات الكبرى لصنع الأدوية والدراسات التكنولوجية البيولوجية تمتلك وسائل التمويل لاستغلال أكثر المرشحين الواعدين بتقديم الدواء فإن ذلك لاينطبق على شركات أصغر للتكنولوجية البيولوجية التي تقوم بأعمال ذات ابداعية رفيعة المستوى.‏

وهكذا يتوجب على المعهد القومي للسرطان أن يهب لنجدتهم بتقديم التمويل الذي يساعد منتجاتهم على التحرك من خلال اختبارها على الحيوان أولاً ومن ثم الانتقال إلى اكتشافات طبية مخبرية على الانسان وفي ذات الوقت على المعهد أن يقدم الكثير الكثير من الدعم المالي للمراكز الكبرى التي تميل إلى البحث عن علاج شاف لمختلف أنواع السرطانات وتفسح المجال أمام هذه المراكز لإقامة مشاريع عالية الربح ضئيلة الانتشار تتحمل كامل المسؤولية على عاتقها بما أن الشركات الدوائية العملاقة وكذلك شركات التنكولوجية البيولوجية ترفض ذلك والآن بشكل متزايد وتلقائي القيام بهذه المهمة.‏

وللانطلاق من جديد في شن حرب على السرطان علينا أن نبدأ من القمة ففي عام 1971م قرر الكونغورس أ ن يقوم الرئيس الاميركي بتعيين مدير لمعهد السرطان القومي.‏

ومع ذلك أصبح المعهد سفنية من غير ربان و على الرئيس أوباما أن يختار قيادة جديدة قوية للمعهد من بين أفضل الباحثين الأميركيين في مرض السرطان لأن الأمر يحتاج أيضاً إلى مطور مناسب لشركات دوائية عملاقة يمكنها تسريع خطوات تطوير العقاقير المكافحة لمرض السرطان بشكل جذري.‏

وأتوقع أن تثير آرائي دفعاً من كبار العلماء الذين يشعرون أن الوقت لم يحن بعد للمضي في مشوار القضاء على السرطان وإلى أن يصبح الانتصار مضموناً أكثر يجدر بنا عدم زيادة حدة النقر على صناديقنا المحدودة من أ جل المزيد من الأموال لتحقيق المزيد من الأبحاث في مرض السرطان وبما أنهم على صواب في أن النصر لن يأتي من الأموال لوحدها فإنه لن يأتي أيضاً من تضييعنا للوقت.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية