تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. الامتحان العسير!

شؤون سياسية
الخميس 22-10-2009م
علي سواحة

تتعمد اسرائيل بصورة دائمة إلى الاساءة لوكالة الطاقة الذرية وخاضت مع الولايات المتحدة معارك بالغة التعقيد للنيل منها ومن رئيسها محمد البرادعي وانتقادهما أنشطة الوكالة من جهة ودفعها لاستهداف خصوم اسرائيل في المنطقة والعالم

وفي مقدمتهم سورية وإيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا، وبدأ اللوبي اليهودي منذ الأيام الأولى لتأسيس هذه الوكالة ساعياً للسيطرة عليها وشنت اسرائيل وذاك اللوبي أشرس حملة ضد الوكالة ومديرها الدكتور البرادعي بحجة أنه لعب دوراً رئيسياً في اضعاف دور الوكالة ازاء القيام بواجباتها في التصدي لملفات حظر انتشار الأسلحة النووية المحرمة دولياً، وركزت اسرائيل في هذا الاتجاه تحت مزاعم عدم تعامل البرادعي جدياً مع ملف سورية، إضافة إلى تقصيرها المزعوم مع طموحات ايران النووية وقد جاء الهجوم الأخير على الوكالة من داخلها على لسان السفير الامريكي في الوكالة غريغوري شولته حيث وجه المزيد من الانتقادات لاداء الوكالة ولمديرها العام ازاء ملف سورية وإيران وتعددت هذه الانتقادات في وسائل الاعلام الامريكية والغربية والمواقع الالكترونية الصهيونية وتناولت جميعها اختلال الدور الوظيفي للوكالة والاختلال الهيكلي فيها أيضاً، وصولاً إلى دعوات ناشطة وعلنية لإعادة صياغة كامل قوام الوكالة المؤسسي بما يتيح السيطرة عليها وعلى مجلس أمنائها وأمانتها العامة بشكل يترتب عليه إعادة توجيه الوكالة للقيام بدور مقدم للمعلومات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الاسرائيلي، واشتدت وتائرهذه الحملة مع الأيام التي سبقت انتهاء فترة مديرها البرادعي ومع صعود مديرها الياباني الجديد ، حيث تواصلت الحملة الاسرائيلية على الوكالة كي يتم وضع ملامح جديدة لدورها الوظيفي المطلوب بحيث تتضمن أنشطتها الجديدة القيام الفوري للكشف عن كل الأنشطة النووية لبعض الدول مع مواصلة غض الطرف عن الأسئلة الاسرائيلية كما كان معمولاً به في السابق وأن تعمل الوكالة في إدارتها الجديدة على حماية تكافل وسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية كي لاتصل هذه الأسلحة حسب مزاعم اسرائيل والغرب إلى أيد متطرفة إسلامية وغيرها.‏

في واقع الحال تبدو مثل هذه المطالب في ظاهرها محقة وبسيطة لكن مع المزيد من التركيز والتعمق في هذه المطالب نجد صعوبة تحقيقها من جهة واستمرارية الاستثناء الاسرائيلي منها في الكشف عن الأنشطة النووية الاسرائيلية، إذ من المعروف أنه ليس لدى الوكالة أقمار تجسس أو أجهزة مخابراتية تقوم بجمع المعلومات لحسابها حول الأنشطة النووية السرية باستثناء ماتحصل عليه من تقارير تقدمها بعض دول العالم لها بهذا الخصوص من الولايات المتحدة واسرائيل وبريطانيا وفقاً لمصالحهم ورغباتهم وحدود مشاريعهم ضد هذا البلد أو ذاك القريب أو المعارض لمشاريعهم ولتوجهاتهم العدوانية.‏

وعلى هذا يراد من الادارة الجديدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تعتمد بل وتتبنى تقارير هذه الدول /امريكا وبريطانيا واسرائيل/ حيال الآخرين بما يضفي عليها المصداقية المطلقة دون التدقيق فيها وبما يكسبها صفة الشرعية الدولية حين اللزوم, أي دون الرجوع إلى التأكيد من صحة المعلومات الواردة فيها ولنتصور وفقاً لهذه المطالب الامريكية والاسرائيلية بهذا الخصوص مدى حجم الأضرار التي يبنى عليها في فبركة النوايا العدوانية تجاه الدول التي تعارض مشاريع الهيمنة الامريكية الصهيونية.‏

إن المطلوب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بدور أخطر مما يتصوره البعض في ظل تلك المطالب الاسرائيلية الامريكية لأن مفهوم حماية تكامل وسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية ليس من اختصاصها لأن الوكالة جهاز تنفيذي وليست جهازاً تشريعياً، وبكلمات أخرى فإن نظام حظر انتشار الأسلحة النووية يتم وضعه ضمن معاهدات دولية وبالتالي فإن إلقاء هذه المهمة على كاهل الوكالة سيخول لها صلاحية القيام بدور الأمم المتحدة وفي هذا مكمن الخطورة من تلك الدعوات التي تحث الوكالة للاضطلاع بهذا الدور مسبقاً تجاه خصوم ومعارضي السياسات الاستعمارية الجديدة حيال شعوب ودول العالم.‏

إن إطلاق يد الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون أن تخضع بنود نظامها الأساسي الجديد لمؤسسات المجتمع الدولي سيجعل من الوكالة أشبه بالحصان الجامح المندفع بطيش بلا قيود مما لايستطيع لأحد أن يقدر الأضرار التي سترتكب جراء ذلك لأن المطالب الاسرائيلية والامريكية تجعل الوكالة تقر بالترتيبات الاستباقية والخوض في مسائل فورية وسريعة لفرض عقوبات وغيرها وربما توجيه ضربات عسكرية ضد كل من تعتقد الوكالة بأنه يضر بسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية.‏

إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع بدء ولاية مديرها الياباني الجديد في موقف صعب لاتحسد عليه أمام هول ما نتعرض له من ضغوطات امريكية - اسرائيلية لاحدود لها.‏

ولعلنا نجزم أن الوكالة ستمر في امتحان صعب في الأشهر القليلة القادمة حول مدى مصداقيتها في عدم خضوعها للابتزاز والضغط والتصدي له كي لاتكون شريكة في صنع براكين جديدة من الأزمات والحروب التي مازال العالم يئن منها إلى اليوم على خلفية ماوقعت به الوكالة من أخطاء جسيمة حيال ملف العراق، ولعل كل الخوف أن تتكرر التجربة ذاتها مع إيران في ضوء مايجري تجنيده لفرض عقوبات جديدة عليها، بحيث من لايشارك في تطبيق هذه العقوبات يضع نفسه أيضاً أمام المساءلة الدولية ويكون بالتالي عرضة لعقوبات مماثلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية