تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المجلس الدولي لحقوق الإنسان والقرار التاريخي

شؤون سياسية
الخميس 22-10-2009م
د. فايز عز الدين

ثمة ما أصبح يدعونا إلى التمسك بالحقيقة التي تفيد بأن إسرائيل والداعم الغربي المتصهين لها لم يعد الأمر بأيديهما, كما كان الحال عليه في عقد من الزمان على الأقل.

والذي نراه في تحولات السياسة العالمية الراهنة, يشير إلى مراجعة مرئية للكثير من مواقف الدول ذات الشأن في العالم من جهة، ومن ثم لمتانة العلاقة التاريخية مع كيان العدوان الإسرائيلي من جهة أخرى، وهذا الاهتزاز السياسي والدبلوماسي للعلاقة مع العالم أصبحت إسرائيل ترتعب منه لأنه في نهاية المطاف سيكون هزيمة عالمية دبلوماسية وأخلاقية تضع إسرائيل على قوس المساءلة القضائية في محكمة الجنايات الدولية أسوة بما قد حصل لغيرها من ذي قبل، أو تضع إسرائيل في حالة لم تعد معها أي إمكانية للتغطية على غطرستها وعدوانها ومن حسن الطالع كان أن اندفعت الأمور إلى انعقاد جلسة استثنائية يوم الجمعة 16/10/2009 وبعد العديد من محاولات الالتفاف التي مورست حتى لا يتم تصديق مجلس حقوق الإنسان على تقرير غولدستون صادق المجلس على التقرير بأغلبية 25 صوتاً ومعارضة 6 دول وامتناع 11 دولة عن التصويت من بينها فرنسا وبريطانيا، نعم لقد تبنى المجلس تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون الذي يدين إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها في حربها الأخيرة على غزة، ويدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى النظر في التقرير كما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تقديم تقرير لمجلس حقوق الإنسان حول التزام إسرائيل وحماس بتنفيذ القرار , وأخيراً يدعو الأمم المتحدة إلى رفع تقرير إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (هولندا) إذا لم تجر إسرائيل وحماس تحقيقات نزيهة في اتهامات ارتكاب جرائم حرب.‏

وما إن تبنى المجلس في جلسته التقرير حتى فقدت إسرائيل كل توازن سياسي ,حيث قال مندوبها هارون ليشنوباغر: إن تبني التقرير سيمثل نكسة لجهود إحياء السلام، وسيشكل مكافأة للإرهاب وقد اعتبر التقرير غير متوازن لكونه لم يشر إلى ما ارتكبته حماس في غزة وإلى حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وحث المندوب الإسرائيلي الجميع على رفض مشروع تبني تقرير غولدستون إذا كانوا حريصين على أهمية دفع عملية السلام، وكان المندوب الأميركي دوغلاس غريفيت قد قال وهو يبرر موقف بلاده في رفض القرار إن القرار يتخطى تقرير غولدستون ليصل إلى نقاش لقضايا يجب حلها في إطار مفاوضات الوضع الدائم بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأضاف نحن نركز جهودنا باتجاه المضي قدماً في عملية السلام ونشعر بالارتباك نتيجة لهذا التصويت معتبراً أن التقرير غير عادل وغير منصف لإسرائيل ولايساعد في عملية السلام وما سيسجل على الأسوأ في الرأي الأميركي هو حين قال المندوب غريفيت :لقد عملنا من أجل إصدار قرار يعترف بحق كل دولة في القيام بعمل مشروع لحماية مواطنيها في مواجهة التهديدات على أمنها وفي الوقت ذاته يدين انتهاكات القانون الدولي بغض النظر عن الفاعل ولكن للأسف والكلام للمندوب الأميركي- هذه ليست مواصفات القرار الذي أمامنا اليوم وكان المندوب الفرنسي قد بذل جهداً لتأجيل التصويت فسحاً بالمجال للمزيد من المشاورات وحشد الأصوات ضد التقرير لكن رئيس المجلس قد رفض طلب المندوب الفرنسي, ومن المعروف أن المندوب الفرنسي قد كانت جهوده منصبة باتجاه إقناع دول أوروبية مثل هولندا، اسبانيا والدانمارك بالوقوف إلى جانب إسرائيل في رفض نتائج التقرير.‏

ولو أعدنا النظر في جلسة مجلس حقوق الإنسان لرأينا ظهور مشاعر وقناعات جديدة لدى معظم دول العالم بأن الصبر على ما ترتكبه إسرائيل في غزة والقطاع والقدس لم يعد ممكناً عند هذه الدول وصارت الكتلة من الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز حينما تقف معاً في مثل هذه المؤسسة الدولية فلا بد أن يأخذ القرار اتجاهات إنسانية وحقوقية أكثر ومن هنا أيضاً أصبحنا نقف على ضعف الموقف حتى لدول عظمى لها فيتو في مجلس الأمن( أميركا، فرنسا، بريطانيا) حين يصوت على تبني القرار 25 دولة من أصل 47 الذين يتألف منهم المجلس، إذاً، لا بد أن متحولاً في السياسة الدولية قد أصبح حقيقة ،هذا إذا ما قلنا بزيادة الاعتراف الدولي بحق الفلسطينيين، وعدم جواز رفع إسرائيل فوق الحقوق، والمساءلة، رغم ما تعارضه في سلوكها السياسي والعسكري لكافة نواميس الأمم والشرائع الدولية المتوافق عليها.‏

ولعله من المفيد لقضية العرب العادلة، ومجلس حقوق الإنسان يناصرها، أن تطلق إسرائيل تهديداتها بوقف عملية السلام من جهة، وبالتبشير بالموقف الأميركي الذي سيكون فيتو في مجلس الأمن كي لا يمر التقرير ويحال إلى محكمة الجنايات الدولية من جهة ثانية. والعالم اليوم لم يعد قانعاً برغبة إسرائيلية في السلام أو بإرادة سلام لدى إسرائيل وعليه فكيف التهديد بوقف المتوقف غير الموجود بالأساس؟ والتبشير باستخدام الفيتو الأميركي استباقاً لقرار من المفترض أنه لايصنع بالدوائر الصهيونية، وعليه فسينتظر العالم ليرى.‏

والمهم في كل حال هو أن إسرائيل تحققت لها هزيمة دولية تخشاها كثيراً وتحسب لها كل الحسابات مهما تظاهرت بعدم الاكتراث ،مع العلم أن نتنياهو في اجتماع مجلس وزرائه الأخير قد أعلن عن تشكيل ما سيواجه الدفع الدبلوماسي والإعلامي باتجاه إدانة إسرائيل، وما يربك المؤسسة الصهيونية المتغطرسة هو أن هذا التبني سيفتح أمام العرب والدول الإسلامية والإفريقية ودول عدم الانحياز إمكانات كبيرة قضائية ممكنة في القانون الدولي وممكنة كذلك في الكثير من الدول الأوروبية، وبهذا الحال ستكون خطوة تقدم كبيرة في مجال الحقوق العربية قد فرضت على إسرائيل وخطوة تراجع خطيرة على القادة الصهاينة المدانين بجرائم حرب ضد الإنسانية ستمنعهم من حرية الغطرسة، وما يقع اليوم في إطار الأمل هو أن يستثمر العرب وقوف الدول الإسلامية والإفريقية وعدم الانحياز إلى جانب حقهم وأن يدفعوا في هذا الاستثمار بالمواقف الأميركية والأوروبية إلى المربع الذي تتم فيه قناعة بعدم جدوى الانحياز غير المسوغ لإسرائيل وعدم جدوى رفعها فوق القوانين والمساءلة الدولية وعدم جدوى الكيل بمكيالين وأخيراً عدم جدوى بقاء العرب وخصوصاً أصحاب القضية منتظرين ما ستمنه عليهم أميركا في ترجّيها إسرائيل بوقف الاستيطان والموافقة على حل الدولتين.‏

فإذا كان الميل الدبلوماسي والحقوقي الدولي أصبح في مصلحة العرب والمسلمين ومن يناصرهم من كتلة عدم الانحياز فإن المطلوب عربياً هو توحيد السلوك السياسي وصبه قوة فاعلة في إطار الأمم المتحدة قبل أن تتمكن إسرائيل والداعم الغربي لها من الوصول إلى أي محاولة التفاف على آليات تعامل مجلس الأمن مع التقرير ولاسيما أن هنالك ما يوحي بأن أميركا في تعهداتها على لسان هيلاري كلينتون باستخدام الفيتو كما ذكرت ذلك مندوبة إسرائيل كابرييلا شاليف تعترضها احتمالات كثيرة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية