تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بوح ...غيــــــــوم بيضــــــــــاء في أفـــــــق القلـــــب !..

ثقافة
الجمعة 15-11-2019
عبدالمعين محمد زيتون

أتعبني, طوال يوم أمس, حنين ملأه فقد مكان عشته في مدينة ساحلية سورية, حيث مسقط رأس والد جدي..

‏‏

ظلال جرف صخري عنيد كذاكرتي, ذي مساقط كثيفة خارقة الحكايا منحوتة في سلسلة جبلية, بدت كرواية عشق أسطوري..‏‏

ارتمى ظل الجرف على خليج صغير, تدافعت إليه أمواج هادئة وادعة..‏‏

لعبة ألوان, انطوت على سحر فيروزي..‏‏

عند أقدام الجرف تكسرت أمواج اختلطت بنبضات القلب..‏‏

بينما راح الزفير يتهاوى إلى زبد ناصع البياض..‏‏

وراح الظل فوق المياه, يخبئ بعض الشمس التي بقيت بعيدا كصبية خجولة..‏‏

ثم طيور بيضاء بلون الفضة, كانت تحلق وترفرف, وتزقزق في القلب..‏‏

ربما ٱثرت البقاء وهي تحوم في المكان الضيق, مثلي خوفا من لسعة شمس !..‏‏

فالمكان الظليل سحر أرجواني يجذب الكائنات..‏‏

كل الكائنات.. تتسرب إليها رائحة العشق, لقد كانت الطيور مختلطة بالتأكيد !..‏‏

فذكور الطير لا تمكث طويلا في المكان دون إناث..‏‏

أحسست بالجمال والبهاء والنشوة مع الطيور في ظلال الخليج الصغير الذي ضمنا معا بحنو فريد..‏‏

كأني لم أر المكان من قبل..‏‏

وظننتني, والسحر يشتعل في كياني, أن لدى حواسي لغة أخرى لم أتعلمها من قبل.‏‏

  ‏‏

أمس, وقبل أن يسطو سلطان النوم على جسدي, مكث في نفسي بقسوة, فقد المكان..‏‏

فاشتعلت حنينا..‏‏

تساءلت.. ترى كيف تبقى الأمكنة حية دون محبين ألفوها وأحبوها ؟..‏‏

وكيف يمضي الزمن غير عابئ بالفقد والفراق ؟‏‏

نمت, دون أجوبة, فوجدتني في المكان, ذات المكان الذي قض مضجعي..‏‏

هل ترانا نرتحل, لنلتقي تلك الأمكنة ؟‏‏

نشتعل فيها حنينا, وندير بها أحداثا, وأحداثا..‏‏

رأيت الخليج الصغير والجرف الصخري والفيروز, والطيور التي كانت لم تزل تحلق وتحوم..‏‏

أغرتني النشوة بالهبوط, فتسلقت الموج الوادع حتى غمرني بلطف شفيف..‏‏

كنت أتذكر جيدا, أنني سأغرق وسأختنق دون عناء...‏‏

وأن روحي ستغادرني, على هيئة طير أبيض بلون الفضة حط, ثم حلق فجأة !..‏‏

لكنني, ماكدت أصل القاع, حتى فوجئت بدلفين طلع علي من غياهب الماء الساكن, ضربني بخطمه فتكورت على ظهره وهو يصعد بي نحو الشاطئ..‏‏

واجهت الموت إذا !..‏‏

ليس حلما.. لأني حين استيقظت, وجدتني مبتلا من رأسي حتى قدماي..‏‏

وفي جسدي رائحة البحر, وأسراره !..‏‏

وجيوبي امتلأت بالأصداف وبعض الأسماك الصغيرة..‏‏

ليس حلما !..‏‏

وها أنا أقيم الحجة والبرهان, نفذت إلى مكان أحببته..‏‏

وأنني عبرت الزمن باتجاه ٱخر !..‏‏

وأننا نستطيع أن نحيا, وإن متنا !.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية