|
آراء وجرأة تورث المنعة والقوة، ونهج في التسامح لايوازيه أويماثله سوى نهج تسامح يوسف مع إخوته!!. ففي قمة الدوحة حرّر النهج السوري رمزية جديدة في الوعي العربي ورؤيته القومية، سقطت معها كل القراءات المتدنية، وبقيت دونها مشاعر الانهزام والانكسار المزمن، نهج ارتقى برسالة الأمة إلى مرتفعات دورها التاريخي وقممه، فأعادها إلى دائرة قواسمها المشتركة، وحدد لها بدقة موقع خياراتها بين الموت في مرادفات الغياب، وبين الافتتان في مرادفات الحضور الذي أوجده، وأسس له وجدان الأمة المقاوم،وفي مختلف ضواحيها: اللبنانية والفلسطينية والعراقية. فمهما أشيع ويشاع عن تنويعات وتباينات في الرؤى والمواقف، فقد نجح النهج السوري، المشبع بعناصر الإرادة والكرامة العربية أن يضع على صدر القادة والملوك العرب، ونصب أعينهم صورتين متناسلتين من تاريخ الأمة وماضيها، ويشكلان في الوقت نفسه عنواناً لحاضرها، وهوية لمستقبلها. صورتان لايرقى إليهما الاختزال أوالتنميط، ولايطولهما الاستئثار الفئوي، ولا يعلق عليهما أو يلتصق بهما أي إملاء مهما لبس من تلوينات آلامنا وآمالنا!. تتمثل الصورة الأولى بمشهد التسامح المتماثل مع صورة تسامح يوسف مع إخوته على قاعدة التآخي المصيري، ووحدة الجراح، ووحدة الدم الذي لامس رذاذه أنوفنا، أوكاد تسامح عدل في روحية التلاقي والتقارب العربي وفي جوهره، وحوله إلى جديلة من (القربى) بضفائر متعددة لأنه إذا كان التقارب كلمة وموقفاً، فالقربي روح وقيم، أخلاق وكرامة، إرادة وعزة! تسامح جعل من المصالحة العربية قدراً فاعلاً لإحياء عوامل النهوض وتفعيلها، وإعادة تعريف الأمة بمقتضى التكثيف الرمزي لحضور تلك العوامل وفاعليتها التاريخية. أما الصورة الثانية فتتجسد في حماية نهج المقاومة والحفاظ عليه، وضرورة التمسك به، وأهمية الانضمام إليه، لأن المقاومة هي التي تحاول إنقاذنا في دورات الخيبة والانكسار، فهي مبثوثة في الانساغ كلها، وعلى من يبحث عن موقع في جوارها، أوفي مدى توهجها أن يعثر على مقاومته لغةٍ ورؤى خياراً وموقفاً، فهي الوسيلة الوحيدة القادرة على انتزاع الألغام من بين أصابعنا كي لاتنفجر دفعة واحدة، وهي طريق السلام، لأن الأطراف المقابلة لاتقبل إلا لغة القوة، بعد أن أثبتت تجربة الحلول الوسط والإصغاء فشلها في تحقيق معادل الأمة الوجودي في مستواه العربي وآفاقه القومية. هاتان الصورتان أرساهما النهج السوري رسالة ودوراً ومن وحي هذا النهج جاءت قمة الدوحة لتذكر بالبديهيات التي كاد أن يدركها الطمس والتمييع، و لتعيد إلى الذاكرة العربية مراكز بدت وكأنها تآكلت واندثرت. |
|