تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحالف كلاب الأثر!

الأربعاء 23-4-2014
سهيل ابراهيم

لأنهم بلا تاريخ، ولأنهم لم يرثوا عن أسلافهم شواهد الحضارة الإنسانية، فإنهم مسكونون بالحقد على تاريخنا وصروحنا الحضارية الموغلة في القدم، فالولايات المتحدة الأمريكية التي لم يبلغ عمرها بعد الثلاثة قرون

لا تستطيع أن تباهي بقطعة من تاريخها القديم، إلا مجازرها بحق الهنود الحمر، سكان أمريكا الشمالية الأصليين، وهي ومنذ يوم ولادتها الأول كدولة، لا تريد أن يسألها أحد عن ماضيها، لأنها أمة متعددة القوميات بلا ماض وبلا ذاكرة، مشروعها الوحيد في الممارسة العملية هو استلاب حرية العالم واستعباد شعوبه تحت عناوين الحرية وحقوق الإنسان، في حروبها الأهلية كانت متوحشة ينهش ذوو البشرة البيضاء من لحوم السود وكأنهم يصطادون سمكاً على سواحل ميامي، وبعقلية الكاوبوي وقوانين رعاة البقر، استملكوا الهكتارات الشاسعة من الأراضي الخصبة وأقاموا عليها مزارعهم في أيوا وتنسي وإلى الشرق والغرب منهما، بنوا مجتمعاً هجيناً مأخوذاً بسحر المادة، وفقيراً لمنتجات الروح، ثم تسلقوا جبل الكون حتى قمته وصاروا على حساب أمم الأرض أسياداً على هذه القمة، يديرون شؤون العالم بقوانين رعاة البقر، مهما بدا عليهم اليوم من مظاهر المدنية والحداثة !‏

مشكلتنا معهم في هذه المنطقة أننا كنا على امتداد آلاف السنين أصحاب تاريخ، لا يستطيعون أن يدَّعوه لأنفسهم، وأصحاب حضارة لا يملكون القدرة على استنساخها، ومن أجل ذلك فإنهم يعتقدون أنهم بواسطة القوة ووسائلها المتنوعة التي يمتلكونها ربما ينجحون بتشويه هذا التاريخ وتلويث القيم التي رسخها فينا، وربما ينجحون أيضاً بالسطو على شواهد حضارتنا وتهريبها إلى أسواق مزاداتهم العلنية في عواصمهم التي لاتعرف من دورة الحياة لدى البشر سوى دورة السوق وأسعار الفائدة فيه، وللوصول إلى غايتهم فإنهم في الحالتين يستخدمون جماعات منا لأداء هذه المهمة الشيطانية، يستخدمون حكاماً بأسماء وعناوين لاتخفى على أحد، كانت علاقتهم بالمنطقة وتاريخها وحضارتها ملتبسة دوماً، ويستخدمون رعاعاً يصطفون على هامش حياتنا ويعرضون ضمائرهم للبيع في وضح النهار وهؤلاء هم جيوش الظلام التي تتطوع اليوم لتجريدنا من تاريخنا وشواهد حضارتنا !‏

يوم دخلت جيوشهم الغازية بغداد كان متحف بغداد قبلتها الأولى، ففي متحف بغداد كان ينبض في الصور والتماثيل والمخطوطات نصف تاريخ هذه المنطقة، ولأن النصف الآخر من هذا التاريخ يتوزع في بلاد الشام، فإن جيوش الظلام التي أرسلوها باسم الثورة والحرية إلى مدننا وقرانا، تقتل من ذاكرتنا الحضارية أكثر مما تقتل منا، فتاريخنا وحضارتنا نقيض لها ولمن سلّحها وموَّلها وأطلق ضباعها في بلادنا، فكل أثر مسيحي أو إسلامي على هذه الأرض يستفزها ويعمي بصرها فتغتاله بأصابع الديناميت، من الرقة شرقاً إلى حلب شمالاً إلى المعرة في الوسط وعدرا ومعلولا، يركضون ككلاب الأثر لتهشيم مافوق الأرض وما تحتها، من ضريح عمار بن ياسر وحجر بن عدي ورأس المعري، إلى الجامع الأموي في حلب وكنوز معلولا الأثرية، كل شيء مباح كي لا يبقى سوى يباب الأرض والدم النازف من قلب التاريخ والبشر، لكن مهمتهم مستحيلة لأن التاريخ لا يموت وشواهد الحضارة التي ورثناها منذ آلاف السنين لن تقوى على ابتلاعها غزوة ظلامية يقودها رعاع عاشوا على هامش الحياة، ثم باعوا ضمائرهم لقوة غاشمة بلا تاريخ تستفزها أصالتنا وتكره قيمنا التي وصلت إلى قلوبنا من أفواه الأنبياء !‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية