|
بقلم ميشيل رامبو - سفير فرنسي سابق الحدث الذي هيمن على قمة العشرين المنعقدة مؤخراً في مدينة سان بطرسبورغ, وجاء نتيجة المخاطر التي حملتها السنوات الثلاث من الأزمة السورية كان إغلاق هذا القوس المأساوي . وفي الواقع تجسد هذه الأزمة , إلى جانب تأكيدها على انبعاث روسيا من جديد وظهور مجموعة البريكس في ظل الزعامة الروسية والصينية حقيقة انتهاء تركيبة المسرح الدولي على قاعدة ( حقبة الأحادية القطبية الأميركية ) الحقبة التي كرست انتصار من يسمون أنفسهم ( القوى الديمقراطية ) واقتصادهم ( اقتصاد السوق ) إنه ناقوس الموت يدق لأكبر عملية احتيال سياسي في العصر الحديث : وما يدعى « المجتمع الدولي » الفرنسي – الانغلو – أميركي يلفظ أنفاسه . هذا ويعتبر الاتفاق المزدوج الموقع بين روسيا والولايات المتحدة في موضوع سورية وثيقة تأسيسية لهذا التحول . ففي حين كان يمثل جدار برلين رمزاً لانتصار « العالم الحر» وأيضاً « نهاية التاريخ» , تحطم في خريف عام 2003 جدار الغطرسة , حيث بدا ما يطلق عليه تسمية ( محور الخير ) بكل مجده وتوهجه على خلفية شمس غائبة . وبدلاً من أن ينتهي التاريخ واصل سيره . لقد كان درساً عظيماً في الدبلوماسية برعت فيه روسيا ( بدعم مستمر من الصين وشركائها الآخرين في مجموعة البريكس , مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا , إضافة إلى جزء كبير من العالم ) عبر تمكنها من دعم القانون الدولي ومبادىء الأمم المتحدة أمام أنصار التدخل في شؤون الدول بأي ثمن كان . ولكن لا يخدعنا ذلك : إذ وفي غضون بضعة أيام أصبح العالم أقرب إلى الكارثة والحرب العالمية . وأن تتوصل كل من روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق حول مبدأ الحل السياسي والدبلوماسي يبهج الناس ذوي النيات الحسنة الساعين والراغبين منذ أشهر عدة للتمهيد لعملية التفاوض في سورية . مع آمالهم أن يكون الزخم من أجل السلام . ولا بد , بالطبع من تحية « سورية الفعلية « أي جميع أولئك الذين راهنوا على الحوار من أجل إنهاء الحرب الكونية التي تواجهها بلادهم . بفضل عزمهم وبعد نظرهم استطاعت أم حضارتنا الصمود – وهي التي تصمد باستمرار – في وجه المآسي الرهيبة التي أصابها من ( أشقائها المزيفين ) في الشرق , ومن ( أصدقائها المزيفين ) في الغرب : أكثر من 100,000 ضحية ,المهجرين وأكثر من نصف البلاد أصابها الدمار , ومن بينها مدينة حلب الشهيدة العاصمة الاقتصادية للبلاد التي عاثوا فيها فساداً ونهباً وتدميراً للبنى التحتية والمدارس والمشافي ومناطق برمتها على يد مقاتلين قدموا من العصور الحجرية . هذا دون أن نغفل ملايين الأرواح المكسورة . صحيح أن رؤية السحنة العابسة لدى بعض « الأصدقاء » المعروفين للشعب السوري أمام أي احتمال للحل السلمي لا تسرنا , ولكن لا يمكن إخفاء حزننا وغضبنا في رؤية فرنسا تبيع مصالحها الوطنية وتدمر مصداقيتها الأخلاقية حينما فضلت الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ . وفي الوقت الذي يغتبط البعض في رؤية العقل والمنطق ينتصران ويعبرون عن التزامهم لصالح مخرج سلمي يتفاوض عليه في سورية , لا تبدي فرنسا أي حماس كبير – وهو تعبير مخفف - لخيار السلام والقانون , والذي اتخذته الدبلوماسية الروسية رمزاً لها . وكان لدينا انطباع , بدلاً من ذلك بأنها اختارت اللجوء إلى معسكر الحرب إلى جانب ممولي الإرهاب . أي عار وأي خراب , حينما نتساءل لماذا أخذت موقفاً بتجاوز مجلس الأمن والتي هي عضو دائم فيه , ولماذا وقفت إلى جانب منطق التدخل , وسعت إلى انتهاك مبادىء الميثاق الأممي الرافعة لرايته ! لقد أولت الحكومة الفرنسية أهمية كبيرة لأصوات الكونغرس الأميركي , مقابل ترخيصها بأصوات الغالبية العظمى من الفرنسيين . وهذا خطأ جسيم . سياستها , أيضاً ليست عادلة وغير أخلاقية ومسؤوليتها في المأساة السورية الرهيبة ليس هناك ما يعادلها سوى مسؤوليتها الكبيرة في انغلاقنا وإحساسنا بالذل والمهانة . أتمنى من كل قلبي نجاح مساعي السلام مثل جميع الأصدقاء الحقيقيين لسورية . وقد آن الآوان لكي يعلو صوت الديبلوماسية بدلاً من صوت قرقعة السلاح , وأن يعود السلام والاستقرار إلى سورية . وبعد , هل ينبغي التذكير بما هو واضح ؟ إن السوريين هم وحدهم الذين يقررون مصيرهم بكل حرية واستقلالية . وليس للقادة الأجانب في باريس أو في واشنطن , في الرياض أو في أنقرة أي شرعية في التقرير مكان السوريين . وعليهم شد عصبهم من أجل وضع « خارطة طريق » حول المستقبل أو حول إعادة بناء بلد عملوا على تدميره وخرابه . |
|