تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ربيع ليبيا المزعوم.. دولة ميليشيات وسلاح

شؤون سياسية
السبت 6-4-2013
عبد الحليم سعود

لو أردنا الوقوف على الواقع الذي أفرزه ما يسمى «الربيع العربي» أو ربيع الناتو كما يحلو للبعض أن يسميه، فلا بد من تقييم تجربة هذا الربيع المزعوم في الدول التي عصفت رياحه بها وأنتجت واقعا جديدا غير الذي كان قائماً،

وهنا لا بد أن تقفز إلى الذاكرة مباشرة تجربة ليبيا التي كان لتدخل الناتو العسكري فيها تأثير مباشر سواء لجهة قلب موازين القوى على الأرض وتدمير دولة كانت قائمة بذاتها أو لجهة تحويلها إلى ساحة صراع تتقاتل على أرضها وتتحرك مختلف العصابات والميليشيات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة.‏

آخر أخبار الفوضى التي أنتجها ربيع الناتو في ليبيا كان اختطاف أحد مستشاري رئيس الوزراء الليبي في أحد ضواحي طرابلس في وقت تشهد فيه عدة مدن ليبية أوضاعا أمنية متوترة ناجمة عن خلافات قبلية وعشائرية سرعان ما تتطور إلى اشتباكات مسلحة، في ظل انتشار كثيف للسلاح لدى شرائح واسعة من المجتمع الليبي، وهو ما فرض حالة من الانقلاب الأمني عجزت عن وقفها كافة الحكومات المتعاقبة منذ إسقاط حكومة القذافي حتى اليوم.‏

وبالطبع هذه الحادثة ليست باليتيمة بل ثمة أحداث أكثر خطورة تعكس الوضع المزري والمتردي الذي آلت إليه هذه الدولة العربية بفعل تدفق المال والسلاح الخليجي والفكر التكفيري الوهابي إلى جانب التدخل العسكري الغربي في شؤونها الداخلية، ففي شباط الماضي اقتحم مسلحون مقر رئاسة الحكومة للمطالبة بتحسين أجورهم مقابل حراسة الحدود، وقبلها بأيام هاجم مقاتلون شاركوا في الانقلاب على القذافي مبنى ما يسمى المؤتمر الوطني العام «البرلمان» للمطالبة بتعويضات أفضل لقاء إصابتهم بالحرب، كما وتقوم ميليشيات مسلحة من وقت لآخر بإيقاف ضخ النفط من بعض الحقول لمطالبة الحكومة بأموال مقابل حراستها للحدود في الصحراء الليبية، وسبق أن اقتحم مسلحون المطار الدولي في طرابلس وسيطروا عليه..والحوادث الأمنية المشابهة أكثر من أن تحصى لأن الدولة التي كانت قائمة وقعت في قبضة عصابات وميليشيات مسلحة لا تؤمن بمنطق الدولة أو منطق المؤسسات الشرعية.‏

طرابلس العاصمة شهدت هي الأخرى توترات أمنية منذ بضعة أسابيع بين الحكومة الضعيفة والميليشيات المسلحة إثر بدء الحكومة حملة لإخراج المجموعات المسلحة من أكثر من 500 موقع من الممتلكات العامة والخاصة تقوم باحتلالها، حيث جرت العادة أن تتحول المباني الحكومية والمنشآت النفطية محاور للاحتجاجات والاشتباكات بسبب عجز الحكومة عن فرض النظام في بلد شاسع ومنقسم لا يزال يعج بالأسلحة.‏

مراقبون للوضع الجديد في ليبيا يتوقعون أن تتفاقم الفوضى أكثر فأكثر بحيث تؤدي إلى مزيد من أعمال العنف والاقتتال والاختطاف في ظل انتشار السلاح على نطاق واسع في البلاد، ويعزون ذلك إلى تأخر الحكومات المتعاقبة عن وضع برنامج عملي لسحب السلاح والسيطرة على الكتائب المسلحة التي تدعي بأنها تنتمي إلى الجهات الشرعية، غير أنها لا تأتمر إلا بأوامر متزعميها ممن يطلقون على أنفسهم اسم «الثوار».‏

هذا الوضع الشاذ والمتردي والذي يشبه في بعض صوره أفغانستان بعد سيطرة القاعدة وطالبان على الحكم في كابول والصومال بعد سقوط حكومة محمد سياد بري لم ينحسر داخل الحدود الليبية بل امتد ليطال دولا إقليمية قريبة وبعيدة في مقدمتها مصر وتونس والجزائر ومالي وصولا إلى سورية، حيث تدفق السلاح الليبي إلى مصر وتم الكشف عن مخططات للقيام بأعمال إرهابية واغتيالات هناك، كما وصل السلاح الليبي إلى الجزائر ليكون أداة الهجوم الإرهابي على المنشأة النفطية في عين أميناس في الصحراء الجزائرية وبقية القصة باتت معروفة، في حين كان للسلاح الليبي الحضور الأقوى في مالي بين يدي الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة وذلك باعتراف وإقرار فرنسا التي كانت أكبر المتحمسين لقلب نظام الحكم في ليبيا لصالح المعارضة الإرهابية، والتي اضطرت للتدخل العسكري في مالي بذريعة مكافحة الإرهاب الذي دعمته في ليبيا، بينما حضر السلاح الليبي والإرهابيون الليبيون إلى سورية بشكل سافر بدعم ومؤازرة الدول الغربية في تناقض واضح يعكس ازدواجية المعايير لدى الدول التي تدعي محاربة الإرهاب.‏

المتابع لمجريات الأحداث والتطورات في ليبيا يخلص إلى نتيجة مفادها أن هذه الدولة تحولت إلى دولة خطرة على نفسها وعلى جيرانها وعلى الآخرين، وباتت مصدر قلق للدول التي ساهمت بتدميرها وتغيير الواقع السياسي فيها وحادثة مقتل السفير الأميركي في بنغازي خير دليل على ذلك، وكل ذلك بسبب العقلية الإجرامية والإرهابية التي تتبناها الجماعات والميليشيات المسلحة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية