|
ساخرة تابعي مشهور. أصله من بلاد الري- قرب طهران عاصمة إيران حالياً- ومنشؤه ووفاته بالكوفة. كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض، يروي نحو 1300 حديث. قال الذهبي: كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح. وقال السخاوي: لم يُر السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش، مع شدة حاجته وفقره. وعلى الرغم من نزقه وضيق عطنه وسلاطة لسانه، فإنه كان يصطنع النكتة في بعض الأوقات ويتحرش بالآخرين من أجلها. من ذلك مثلاً أنه قال مرة لجليس له: - تشتهي كذا وكذا.. من الطعام؟ وراح يصف له ألواناً من أطايب الطعام سال لها لعاب الرجل. قال جليس الأعمش: - نعم. قال الأعمش: - انهض بنا. رغيفان يابسان.. وكامخ فدخل به منزله، فقدم له رغيفين يابسين وكامخاً- والكامخ هو كل ما يؤكل بالخبز، وقيل: هو يشبه الساندويش في زماننا- وقال: - كل.. قال الرجل: - أين.. ما قلت؟ قال الأعمش: مالك عندي! إنما قلتُ: تشتهي.. ولم أقل: تأكل (1) الصراحة التي تتجاوز الحدود ربما كان لنا أن نبحث عن السر في نزق الأعمش وضيق صدره، في تلك العلة التي كان يعاني منها في عينيه الدامعتين باستمرار، كليلتي النظر دائماً. ولكن.. يظل رغم ذلك جانب آخر. في هذا الموشور الساخر التهكمي عنده، هو هذه القدرة المدهشة في الصراحة التي تتجاوز حدودها أحياناً، فتتخذ شكلاً عدوانياً، قد لا يكون غريباً تماماً على رجل كالأعمش. وليس مهماً هنا أن يسمى ذلك جواباً مسكتاً، فذات يوم مرض الأعمش، فدخل عليه رجل يعوده. فما إن جلس قليلاً عنده، حتى أخذ يحادثه فسأله: - ما أشد ما مرّ بك في علتك هذه؟ قال الأعمش مباشرة: - دخولك..(2). العدوانية في شخصية الأعمش .. وإنما يؤكد هذا الجانب العدواني في شخصية الأعمش ما ذكره أبو بكر بن عياش إذ قال: كنا نسمي الأعمش سيد المحدثين. وكنا نجيء إليه إذا فرغنا من الدوران. فيقول: عند من كنتم؟ فنقول: عند فلان، فيقول: طبل مخرق. ويقول: عند من؟ فنقول: فلان. فيقول: دف ممزق. عقدتا النقص والتفوق ولئن كان هذا يؤكد العلاقة بين أطراف ذلك الثالوث: النزق، والعدوانية، والهجاء، فإنه يذكرنا في الآن ذاته، ونحن نضع في اعتبارنا تلك العلة الجسدية لدى الأعمش، بنظرية «ألفرد ادلر» التي تحدثت عن الشعور بالدونية أو عقدة النقص Imferioity Complex نتيجة عاهة جسدية أو نفسية، والتي يكون من تجلياتها ذلك الشعور بالتفوق أو ما يدعى Superiority Complex. الهوامش: (1) أخبار الظراف والمتماجنين- ابن الجوزي- ص30 (2) المصدر نفسه- ص 31. |
|