|
شؤون سياسية وفاشيتها- بسد كافة مسارات السلام التي سعت أميركا أولاً من أجلها بدءاً من المبادرة الأميركية المعروفة ومرجعية مدريد، إلى خارطة الطريق، وقرارات مؤتمر أنابوليس، إلى ما تم بذله عبر المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين من جهود سلام وأفشلتها إسرائيل. ويضاف إلى هذا من ناحية أخرى حروب إسرائيل العدوانية على لبنان والضفة والقطاع، واستهتارها بكافة المواثيق الدولية، وتوجهات الرأي العام والمجتمع الدولي، ومن ناحية ثالثة توريط إسرائيل إدارة بوش السابقة بشن الحرب على العراق والغرق الأميركي الذي حصل وما زال في رمال العراق المتحركة. وإزاء ما فعلته العنصرية الصهيونية، وسدت به الطريق إلى أي حل تصبح المنطقة مرشحة للمزيد من الاحتمالات الصعبة وفي طليعتها الصراع الداخلي في إسرائيل حيث إن العنصرية فيها ترتد على ذاتها، فتقوض استقرارها هي أولاً، ثم يتقوض استقرار المنطقة برمتها ثانياً، وبناء على هذا الحال تدخل عملية الصراع مع العدو احتمالاتها المعقدة، وتستلزم قراءاتها الجديدة من العرب أولاً وقبل غيرهم، ذلك لأن نتائج إدارة بوش قد وضعت أمام صانع القرار الجديد في إدارة أوباما، فأجرت تقويماً سياسياً استراتيجياً للمرحلة البوشية لترى أنه بسبب تعنت إسرائيل وفشل بوش في توجيهها نحو احترام إرادة السلام في المجتمع الدولي، ازدادت كراهية أميركا، وتراجعت الأنظمة الحليفة لها، وتراجع نفوذها، وفشلت القوة الأميركية الإسرائيلية في تحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد. وما أصبحت المنطقة العربية تشهده اليوم هو استحالة تغيير الوقائع بالقوة مهما بلغ جبروتها، بل ما حصل هو عكس المطلوب حين تتقوى وتتوحد قوى الممانعة العربية بقيادة سورية، والإقليمية: إيران وتركيا، والدولية المتمثلة بجبهة الكفاح الإنساني. إن أهم النتائج التي أصبحت تحرك قوى الممانعة العربية والإقليمية والدولية هي سقوط هيبة القوة لأميركا وإسرائيل بآن معاً، ومن ثم انهزام منطق القوة والوسائل العسكرية التقليدية أمام الأسلوب الجديد النوعي في إدارة المعركة مع العدو عبر المقاومة بكافة الأشكال، والبسالة التي لا يملكها جندي العدو، والشهادة التي لا يمكن للعدو أن يتفوق عليها. ومما نستشعره في الاستراتيجية الجديدة للرئيس أوباما فهمه التحليلي لأسباب سقوط إدارة من سبقه، وجعله قضية الصراع العربي الإسرائيلي في جدول أولوياته، واختياره جورج ميتشل المبعوث الأميركي خاصة حين صرح -قبيل الانتخابات الإسرائيلية- حول وصفة السلام الاقتصادي غير كافية لتسوية القضية الفلسطينية، وبناء حالة من الاستقرار في المنطقة، وانزعاج نتنياهو من هذا التصريح واعتباره رداً غير مباشر عليه وعلى برنامجه، وقد أشعر هذا التصريح للمبعوث ميتشل بأن أميركا مهتمة بالظهور بمظهر السعي الجدي إلى تحريك المساواة السياسية في الصراع العربي الإسرائيلي بغض النظر عن النتائج العملية التي قد تسفر عنها الحركة الدبلوماسية المتوقعة، وعلى الجانب الآخر قد يحمل هذا التصريح ملامح خلاف قادم بين حكومة نتنياهو -إذا تشكلت- وإدارة الرئيس أوباما من خلال استراتيجيتها الجديدة التي ليس بإمكانها أن تبقى على خطوط ما سبق باعتباره قد حقق أسوأ النتائج لأميركا وحلفائها. ولو قرأنا ما أضرت به سياسات الغطرسة الصهيونية الاستراتيجية الأميركية عموماً خلال مرحلة بوش الابن وما قبله، سنجد أن أحلام أميركا بالتفرد بالقطب الوحيد المهيمن، والذي يدير الحكومة العالمية بدون شراكة قد حطمتها إسرائيل بإلزامها الإدارة الأميركية بتغطية استخدامها للقوة الجائرة ضد المدنيين في المنطقة وخروجها عما توافقت عليه الأمم في اتفاقيات جنيف، وفي مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وبه لم تظهر أميركا أن لها سياسة واستراتيجية في المنطقة تتفق مع المصالح القومية العليا لها، بمقدار ما ظهرت بدور المنفذ المطيع لسياسة إسرائيل، واستراتيجية مشروعها الصهيوني الإحلالي العنصري. وفي بداية القرار العالمي لإدارة أوباما زار المنطقة ميتشل تحت مفهوم الاستماع والنظر، وأتت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لكن في ظل فراغ سلطة في إسرائيل، وصراع على تشكيلها، وفي ظل حال عربية لم تنجز متطلباتها بعد، ومؤتمر القمة في الدوحة نهاية هذا الشهر، وتزور المنطقة الوفود الأوروبية، ومن الأمم المتحدة، وانعقد مؤتمر شرم الشيخ من أجل إعمار غزة، كل هذا الحراك إنما يدل على أن الحل اللازم للصراع العربي - الإسرائيلي صار يمثل أولوية مفروضة على جدول القوى العالمية المعنية وأميركا الرقم واحد فيها، ولكن إسرائيل -فيما يدور بين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة، وليفني رئيسة كاديما- توحي حركتها الداخلية بالمزيد من التجاهل للدولة الفلسطينية المتصلة، والقابلة للحياة، وللقدس عاصمتها، ولعودة اللاجئين، وتشير رؤى أفيغدرو ليبرمان الشريك المتوقع بالحكومة إلى نوايا ترانسفير جديدة لعرب الـ/48/ وقيام دولة يهودية خالية من الغوييم أي الأغراب بمصطلحهم. والصحف الإسرائيلية تعكس هذه الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتعرض للمأزق الذي يتمثل بحكومة متوقعة مشلولة من اليمين فقط (الليكود، إسرائيل بيتنا، شاس، البيت اليهودي، الاتحاد القومي، يهودات هتورات) وجميع هذه الأحزاب تملك نصاب /65/ مقعداً في الكنيست أي أغلبية ضئيلة، وستكون عرضة للابتزاز السياسي وعدم الاستقرار. وفي سياق المأزق الإسرائيلي المتفاقم كتبت صحيفة هآرتس الصهيونية تشير إلى حماسة رئيس هيئة أركان العدو غابي أشكينازي لإجراء مفاوضات جدية مع سورية لأنها كما يرى ستحقق مزايا للطرفين، وتبعد احتمال قيام مواجهة جديدة على الجبهة الشمالية، باعتبارها ستؤدي إلى خسائر باهظة على المستويين العسكري والمدني، ويضيف رئيس الأركان الصهيوني أن المفاوضات مع سورية ستخفف من القلق الإسرائيلي تجاه إيران التي ترمي لتقوية المعسكر الراديكالي العربي في ظل مظلتها النووية. إن مثل هذا الحال الذي تستشعر به عناصر الضعف في الكيان الصهيوني، وتعطي المقاومة العربية أفضل نتائجها وتوضع أميركا أوباما أمام نهجها واستراتيجيتها الجديدة ألا يضع على طاولة القمة العربية القادمة جدول عمل جديداً يقوم على المزيد من التضافر والتآزر والعمل العربي الموحد؟ فاللحظة التاريخية مؤاتية، والمستقبل لنا. |
|