تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مشكلة أميركا .. وأميركا المشكلة

البقعة الساخنة
الاثنين 22-12-2014
 علي نصر الله

تزداد الفوضى في العالم، تنخفض مستويات الاستقرار والتنمية فيه، تتفاقم الصراعات والحروب، تكثر معاناة ومخاوف الناس في الشرق والغرب؛ وفي الشمال والجنوب، والسبب المشكلة: أميركا وسياساتها الامبريالية التي يمارسها البيت الأبيض ومؤسساته رغم اختلاف ساكنه ديمقراطياً كان أم جمهورياً،

فهل المشكلة أميركا «الامبريالية والامبراطورية» فكراً سياسة وممارسة؟ أم المشكلة تتلخص في أن مشكلة أميركا الذاتية تكمن في أنها كدولة امبريالية تطمح للامبراطورية لا ترى من يردعها؛ ولا تجد من يمكنه محاسبتها أو التأثير في خطواتها العدائية تجاه الآخرين؟‏

تكاد أميركا أن تكون المحرك لكل مشكلة وأزمة في العالم، وتكاد تكون اللاعب الأساسي فيها خلقاً للأزمة وتوجيهاً لها؛ تسخيناً للصراعات وتبريداً لها، فحيث تضع يدها الثقيلة في مكان ما تكون فيه مشكلة وأزمة؛ وهي لا تضع يدها في هذا المكان أو ذاك إلا انطلاقاً من خطة لها زمرة غايات وأهداف تسعى لتحقيقها مُتفلتة من كل القوانين والضوابط، فلا شيء يردعها أو يمنعها؛ وما من وسيلة تستبعدها مهما كانت سيئة، رديئة، وقذرة .. العنصرية، الإرهاب، النفط، الذرة والقمح .. الخ.‏

بهذا المنطق تكون أميركا بذاتها مشكلة؛ وعلى العالم أن يجد حلاً لها، يحاول ردعها؛ يحاجج قانونياً ويقاتل دبلوماسياً ضدها؛ يسعى لمحاصرتها؛ يعلن الحرب عليها، هذا شأن العالم وعليه أن يقبل التحدي في مواجهتها ومحاولة حملها أو إرغامها على العودة عن كل سياساتها العدوانية؛ وإلا فإن المنطق الآخر - من أنها لا تجد من يردعها - سينتصر ويسود؛ وستواصل سياساتها الامبريالية المتوحشة دون حرج؛ مع الجميع؛ وعلى الجميع.‏

أسوأ السيئ في «أميركا المشكلة» ادعاؤها أنها شرطي العالم الحريص على أمنه واستقراره ونموه ورفاهيته؛ والباحث عن سلمه وسلامه تستخدم أسوأ استخدام قوانين وشرعة ومبادىء منظمته الدولية، وتنتهك منظومة القوانين والمبادىء وتوظفها لخدمة مصالحها الأنانية ضد الآخر الذي لا يتجاوز ولا ينظر لها كشعب ودولة متقدمة إلا نظرة احترام لإنجازاتها العلمية، ولا يتطلع إلا للتعاون والتفاعل معها فقط لو تخلت عن امبرياليتها المقيتة وعن سياساتها العدوانية.‏

وأسوأ السيئ في العالم أنه يتساهل مع أميركا ويمرر لها الكثير من الممارسات العدوانية؛ إما لأنه ضعيف محكوم لها في تفاصيل متعددة، أو لأنه أخفق في محاولة تجميع عناصر القوة الكافية لردعها؛ والكفيلة بوضع حدود لها ولتجاوزاتها وانتهاكاتها بما يلزمها باحترام النظام الدولي وقوانينه، أو بما يوجب عليها التعاون معه لإرساء نظام دولي جديد منصف عادل يحقق التوازن؛ ويحمي المصالح؛ ويسعى إلى السلام والاستقرار.‏

رغم أن الأفق بات مفتوحاً على احتمالات بروز أقطاب دولية جديدة من شأنها أن تعيد التوازن المختل إلى العالم وإلى السياسة الدولية، إلا أن ذلك يبدو على مسافة زمنية بعيدة، وما لم تحصل مفاجآت من المستوى الثقيل تدفع إليها القوة العظمى المتوحشة، فإن أميركا لن ترتدع، وربما تنجح القوى الدولية النظيرة لها المؤثرة والفاعلة باستدراج الولايات المتحدة إلى أفخاخ تُقصّر المسافة الزمنية تلك، وتحقق الغاية النبيلة بإنقاذ العالم من «أميركا المشكلة».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية