تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بنـــاة الأجـــيال .. ماذا يريــدون في عــيدهم..؟

مجتمع
الخميس 19-3-2009م
غصون سليمان

ربما تصعب المفردات أن تحيط بجلالة وقدسية المعلم من حيث الجوهر والمغزى والمعنى الشامل لحقيقة العلم ورسل الفكر والتنوير الذين غاصوا بالوجدان والروح، يجيدون بنبلهم وفصاحتهم ورزانتهم وفاعلية مهنتهم، يخطون بأدواتهم حقائق التكوين واليقين..

يصنعون عقولا ويبنون إنسانا ويجسدون قيما وفضائل تشتمل جمل الحياة وخطوطها.‏

وفي حضرة هذه المناسبة الغالية على قلب كل فرد منا نقف متأملين,أما بناة الأجيال الحقيقيين كما وصفهم القائدالخالد حافظ الأسد لنسأل ولو مرة واحدة ماذا يريد المعلم في عيده؟ وإن كان برأينا أن عيده يشتمل مدار العام، وبالتالي بدلا من أن نتحفه بعبارات الدفء والإكبار والتقدير والتي يستحقها دون منازع حاولنا أن نقترب قليلا من شغاف قلبه ونفسه ووجدانه لنجد أن ما يحتاجه المعلم اليوم هو الاحترام من قبل الطالب والأهل على السواء حيث كدنا نفقدها بفعل أساليب التربية الحديثة وبعض القوانين التي أذهبت إلى حد ما هيبة المعلم.‏

أعباء مضاعفة‏

يضاف لذلك حاجات المعلم المادية فهو أولا وأخيرا إنسان يسعى وراء لقمة العيش خاصة في ظروف أخذت ترخي بظلالها وأعبائها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الجميع...وقد يكون هو الأكثر تأثرا بها لأنه يقع تحت تأثير أعباء تعب المهنة داخل الصف وأعباء الحياة اليومية.‏

ولعل ما يحز بنفس هذه الشريحة أن نظرة المجتمع لم تعد كما كانت في السابق من ناحية الاحترام والنظرة الرفيعة بفعل بعض الحركات والأساليب التي بدأت تحول المعلم أو المدرس من صاحب رسالة نبيلة غاية في الأهمية إلى مهنة عادية لاينظر لها إلا مجرد مورد للرزق.. وهذه الحالة برأي الكثيرين ليس هو مسؤولا عنها لوحده بالكامل وإنما هناك عوامل أخرى عديدة دخلت على هذا الخط «الواسطة.. الرشوة..بازار المادة في الدروس الخصوصية ..الكفاءات غير المناسبة» ..الخ‏

مطلوب مني‏

وبالمقابل ماذا يريد المعلم من نفسه؟ يؤكد أغلب ممن حاورناهم أن بعضهم لا يمتلك الوقت الكافي لتطوير نفسه وأدائه بما يتناسب وصعوبة تربية هذا الجيل الذي يعيش في عصر مفتوح على جميع الاحتمالات بحيث لم يعد المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومات، ومن هنا برأيهم تأتي أهمية توفير جميع الأدوات والوسائل اللازمة التي تساعد المعلم وتسهل آلية عمله من تحويل الدروس والتجارب النظرية إلى تطبيقات عملية وهذا ما تفتقر إليه غالبية المدارس لاسيما في الأرياف.‏

في الذاكرة‏

وإذا عدنا في هذه المساحة بالذاكرة قليلا إلى الوراء كاد المعلم أن يكون الواعظ والمرشد الأول للتلاميذ والطلاب والمقنع الأساسي لهم في تفوقهم ليتقدم بذلك على سيد الأسرة في المنزل.‏

وهنا مازلت أتذكر في هذا المقام كيف أن معلمي في المرحلة الابتدائية الأستاذ علي خضور زار قريتنا في أحد الأيام برفقة زميله من القرية وحين أبصرناه عن بعد تركنا اللعب في الساحة وعدنا أدراجنا إلى المنزل ليس خوفا طبعا وإنما رهبة واحتراما لهذا المربي وأخوته العاملين في حقل التدريس .‏

إذ كنا نعتقد أن المعلم بشكل عام فوق مرتبة البشر لايلهو.. لايموت لايمارس مايعتاده الناس من طعام وشراب وحاجات مختلفة.‏

لذلك كانت توجيهاته وكلماته في قاعات الصفوف والتي غالبا ما كانت تضم القاعات صفين.. صفين لقلة الغرف، تفعل فعلها الإيجابي بنفوسنا كنا نصغي بدقة وكان يجود بالمعلومات بإسلوب جذاب ورحيم..وكأنه كان يعلم من وجوهنا ما يدور بداخلنا، وعلى هذا الأساس كان يخفف حالات الحرج والخوف ويطمئننا بنور العلم الذي هو سبيلنا إلى قطع مسافات الطريق المظلم للوصول إلى الغد المشرق المليء بالتفاؤل والعطاء.‏

ستبقى الرسالة‏

ومع كل ما تقدم نعود لننظر ونؤكد إلى المعلم كصاحب رسالة نبيلة نتمنى دائما عدم التخلي عنها لأن ما يقدمه من قيم ومعارف وسلوكيات هي أكثر ما تحتاج إليه الأجيال القادمة لأن المعلمين وبحق هم بناة للإنسان تربية قبل التعليم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية