|
صفحة ساخرة ويروي أحدهم واسمه زكريا بن أبي زائدة أنه كان مع الشعبي في مسجد الكوفة إذ أقبل عليه حمال على كتفه كودن(1)، فوضعه ودخل إليه فقال:ياشعبي! إبليس كانت له زوجة؟ قال الشعبي: ذاك عرس ماشهدته. فقال الحمال:هذا عالم العراق يسأل عن مسألة فلا يجيب. وعندئذ استدرك الشعبي طالباً إلى جلسائه أن يردوه. وهنا قال له: نعم له زوجة. قال الله عزوجل: «أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني» (2) ولاتكون الذرية إلا من زوجة. وعاد الحمال يسأل:فما كان اسمها؟ فقال الشعبي: ذاك إملاك - أي: عقد زواج - ماشهدته (3) يضرب المثل بحفظ الشعبي والشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار، الشعبي الحميري، أبو عمر، كما يقول خير الدين الزركلي. راوية من التابعين، يضرب المثل بحفظه. ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفة، عن عمر يناهز الحادية والثمانين (4)، اتصل بعبد الملك بن مروان فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم. وكان ضئيلاً نحيفاً ولد لسبعة أشهر. وسئل عما بلغ إليه حفظه، فقال: ماكتبت سوداء في بيضاء، ولاحدثني رجل بحديث إلا حفظته. أي إنه كان يعتمد على ذاكرته، ويحفظ الكلام منذ أن يسمعه للمرة الأولى. وهو من رجال الحديث الثقات استقضاه عمر بن عبد العزيز. وكان فقيهاً شاعراً. (5) من الفقة..إلى الحجامة .. ولابد لنا أن نبحث عن سبب في نزقه وضيق صدره هو الآخر كالأعمش، وإن يكن بعض الناس، يذهبون في أسئلتهم ومواقفهم بحلم الحليم. فقد جلس الشعبي على باب داره ذات يوم فمر به رجل، فقال:أصلحك الله، إني كنت أصلي، فأدخلت إصبعي في أنفي فخرج عليها دم، فما ترى، أحتجم أم أفتصد؟ فرفع الشعبي يديه وقال: (6)الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة! .. ومثل هذا ماكان بينه وبين أحدهم فيما كان يتحدث الأحاديث، فقد كان الشعبي يروي حديثاً أن النبي (ص) قال: «تسحروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب، ثم يضعه في فيه.» فسأله الرجل: أي الأصابع ! فتناول الشعبي إبهام رجله وقال:هذه. (7) حين وقف الشعبي مع امرأة .. وكان الشعبي واقفاً مع امرأة يكلمها، فلقيه رجل وقال: أيكما الشعبي؟ فأومأ الشعبي إلى المرأة وقال:هذه. ومن هذا القبيل ماجرى بينه وبين رجل في أثناء بعض الأحاديث، فقد سأله هذا عن المسح على اللحية في الوضوء. فقال له الشعبي:خللها بأصابعك. فقال الرجل:أخاف أن لاتبلها. قال الشعبي: (8) فانقعها من أول الليل. مع الخليفة عبد الملك وكانت له مواقف مع الخليفة عبد الملك بن مروان تدعو إلى التأمل، ذاك أنه يتشاكل فيها الظرف والذكاء وحسن التخلص وفن مجالسة العظماء، فقد دخل الشعبي مرة على عبد الملك، فسأله الخليفة: كم عطاؤك؟ قال الشعبي:ألفي درهم. وعندئذ قال عبد الملك: لحن العراقي. ثم عاد الخليفة فقال:كم عطاؤك؟ فأجاب الشعبي:ألفا درهم. قال عبد الملك:ألم تقل ألفي درهم؟ فقال الشعبي: (9)لحن أمير المؤمنين فلحنت لأني كرهت، أن يكون راجلاً وأكون فارساً. الشعبي..في الحمّام ودخل الشعبي الحمام في أحد الأيام فشاهد أحد أصحابه وهو (داود الأودي) بلا مئزر فأغمض عينيه، فقال له داود: - متى عميت ياأبا عمر؟ وهنا قال الشعبي: مذ هتك الله سترك.. فانظر إلى هذا السؤال وهذا الجواب: واحدة بواحدة! ومن أجوبته التي تذكرنا أنه ولد لسبعة أشهر، وتذكرنا أيضاً بنفاد صبر الأعمش، وما رد به الشعبي يوماً على رجل جاءه قائلاً:اشتريت حماراً بنصف درهم وجئتك لتحدثني. فقال أبو عمر:أكثر بالنصف الآخر، فما أريد أن أحدثك! ..ومن أجمل مايروى عنه أنه سئل مرة: هل تمرض الروح؟ قال:نعم..من ظل الثقلاء. وقد شوهد يوماً بين ثقيلين فسئل:كيف الروح؟ قال: (10)في النزع.. الهوامش: (1) هو في الأصل للبعير إذا عظم سنامه، والمقصود هنا مايوضع على ظهر البعير كالسرج. (2) سورة الكهف - الآية: (50). (3) أخبار الظراف والمتماجنين - لابن الجوزي - ص 27. (4) ميلاده ووفاته عن الزركلي: (19-103هـ = 640 - 721م ). (5) الأعلام - خير الدين الزركلي - المجلد الثالث - ص 251. (6) أخبار الظراف والمتماجنين - ص 28. (7) المصدر السابق - ص 28. (8) المصدر السابق - ص 28. (9) المصدر السابق - ص 29. (10) المصدر السابق - ص 29. |
|