|
فضاءات ثقافية ورُحّل من كان بين السابعة عشرة والخامسة والأربعين ليدفع الثمن. لم تكن فقط تجربة في مصادرة الحرية والعمل من أول شعاع نور إلى آخره، بل في الجوع أساساً. ساوى كل حِمل من الفحم غراماً من الخبز، وكُدّس الموتى في ساحة المعسكر الخلفية. تُركوا في الثلج أياماً لكي تكتسب الجثث صلابة ويسهل تقطيعها، فيحفر العمال قبوراً أصغر حجماً توفيراً للوقت والجهد. كانت صديقة الوالدة، هرتا، بين آلاف الضحايا، وورثت الكاتبة اسمها. تقول مولر في آخر «ملاك الجوع» الصادرة بالإنكليزية عن «بورتوبيللو»، بريطانيا، إن الترحيل كان موضوعاً محرّماً في رومانيا لاسترجاعه ماضيها الفاشي. بعد نصف قرن تحدّت الكاتبة الصمت، وتحدّثت إلى الشاعر أوسكار باستيور والمرحّلين من قريتها. ملأت أربعة دفاتر عن سنوات الشاعر الخمس في معمل للفحم، واتفقا على الكتابة معاً عنها. حين توفي في 2006 عجزت عاماً عن كتابة الرواية التي صدرت في 2009 وساهمت بنيلها نوبل في العام نفسه. تنضم «ملاك الجوع» إلى أدب المعسكر، الذي تبقى «يوم في حياة إيفان دينوسيفيتش» لألكسندر سولجينتسين أشهره. تجمع مولر الشاعرية الكثيفة والدقة المحايدة، وتفصّل تشيؤ المساجين. تُفحص الرؤوس للتأكد من خلوها من القمل، يُحطم الجسد والروح بالعمل الشاق والجوع، يتسلّل الرجال والنساء خلسة داخل أنبوب قديم لممارسة الجنس، ويقترب رجل من الموت ضرباً لسرقته فتات خبز من رجل آخر. بين المعتقلين كاتي سنتري التي احتفظت بجسد الطفلة وعقلها. لم تستطع القيام بأبسط المهمات، ولم تفهم معنى الأوامر أو العقاب أو حصص الطعام. صفقت بذراعيها وهدلت كالحمام، أو جلست على تلة نمل لكي تغطي يديها بقفازين منه. هُدّدت مولر لعدم تعاونها مع الشرطة السريّة في نظام تشاوتشسكو، وهُرّبت أعمالها إلى الغرب منذ الثمانينات. تناولت في «بلاد الخوخ الأخضر» تدمير الشيوعية قدرة الفرد على التعبير الحر، ووهم الفرار من حصارها. |
|