تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية وطني .. أنت الحقيقة .. وغيرك سراب

مجتمع
الأحد 30-12-2012
مجد الكعدة

قضيت سنوات وأنا أنتظر تحقيق حلم حياتي أن أهاجر إلى كندا ... كان انتظاراً مريراً، حصلت على التأشيرة اللازمة بفعل معجزة سماوية، كانت مشكلتي رفض زوجي لفكرة السفر طبعاً القرار الأول والأخير له في كل شؤوني الصغيرة والكبيرة. مضت الأيام والشهور الأولى في كندا في محاولة ايجاد ما أبحث عنه منذ مدة طويلة وهو عقد عمل يناسب طموحي الكبير.

بعد فترة عملت لم يكن العمل على مستوى الطموح لكنه في النهاية عملٌ يلزمني. بعد حصولي على بغيتي وغاية حياتي ومأربي كما كان يخيل إليَ اكتشفت أن هناك مشكلة في موضع آخر وفي نواحٍ أخرى لا بل في كل نواحي الحياة في كندا، خلاصة القول لم يكن هذا ما بحثت عنه، في بعض الأحيان كنت أقول في نفسي تباً هذا لا أقدر على احتماله، لن أكمل بقية عمري على ذي الحال، أين كنّا وأين أصبحنا؟ متى تعود يا حالي الأول؟ ماذا فعلت بنفسك وبأولادك يا امرأة ؟ أهذا ما كنت أردته لهم؟ لقد بح صوتك و أنت تصرخين أريد أن أذهب الى كندا، الحق على السفارة الكندية لم يسمحوا لي بزيارة البلد قبلاً وتركوني انتظر حتى الرمق الأخيرعلى أمل الحصول على عقد عمل أفضل وأعيش ظروف حياة أفضل هذا غير موجود عندهم سحقاً إنهم لا يملكونه حتى بالتالي يوفرونه لنا، من حسن حظي أنه كان هناك سر دفين في حياتي اكتشفته هناك وإلا لكانت الهجرة باطلة لكني انتفعت من جهة اخرى فعدت ادراجي إلى سورية لأستوضح الأمر، حسناً فعلت باركوا لي لقد تركت كندا عدت إلى موطني يا لفرحتي، زغردي طويلا يا نفس وتهللي لقد عدت إلى وطني. عند عودتي سألت زوجي عن حقيقة حياتي التي تركتها غافية بين ذراعيه فوجدتها نائمة تحت لسانه بهدوء منقطع النظير.‏

بدأت قصة حياتي منذ زمن طويل من قبل أن أولد غزلت خيوطها بخبث أصابع أمرأة ساحرة وكانت خفية عني لأنها منسوجة بخيوط العناكب الأشد مكراً ودهاء اكتشفتها الآن بعمر 44 سنة. كفعل معاكس إرادي وغير إرادي نشأت أنا مناضلة ثورية عنيدة مع روح قريب من السماء رافض للظلم متحد جبار، ناضلت ضد نفسي وقهرتها وارتفعت في داخلي نفس عالية تسعى نحو الشمس والحرية، دافعت عن حقوق المرأة والطفل والإنسان بشكل عام لتكون لهم الحياة أفضل كانت حرباً كلامية سلاحي الوحيد فيها اصراري وكلمة الحق في فمي مشيت في طريق صعب اخترتها لنفسي واختارتها السماء لي. في مطلع شبابي أعجبت بالفكر الفرنسي والثورة الفرنسية اعجاباً كبيراً وشاءت الظروف أن أسافر إلى فرنسا للدراسة فكانت نقطة التحول الكبرى في حياتي والمنعطف الأساسي الذي أعاد توجيه دفة القيادة في قارب حياتي. امتلأت حباً بكل ما في فرنسا حتى احتل حبها جزءاً من قلبي لا ينزعه أحد، أكثر ما أحببت فيها حرية الأشخاص وحفاظهم على حرية الآخرين واحترامهم انعكس هذا علي لأنه يطابق صفاتي الشخصية وصرت أحب أن أعيش كما يجب أن يكون العيش لي ولسواي، عملت في سورية وتزوجت وانجبت كان لدي كل شيء إلا السعادة ... الظروف دوماً معاكسة بمحض الصدفة أم بفعل فاعل لكنها معاكسة وكفى ... فكبرت الثورة في داخلي أكثر ورفضت كلياً أن تكون حياة أولادي نسخة عن حياتي فجاءت فكرة الهجرة إلى كندا كحل أخير للعودة إلى حياة الديمقراطية والحضارة كما أحببت في فرنسا وليعيش أولادي في مجتمع حضاري. حاربت لتحقيق فكرتي حرباً حتى الموت.‏

بعد اكتشافي كندا وما هي أدركت أني هجرت بلدي سورية ظلماً بدأت التفكير لأعرف السبب وتصحيح ما أمكن، لا أريد العودة الى عبودية زوجي، فإذا بي فجأة أمام كتاب حياتي يفتح أمام عيني لأتصفحه تباعاً رأيت كمن فقد ذاكرته أحداث قديمة جرت تعبر كشريط أمام عينيه اكتشفت حقيقة أذهلتني وأعادتني الى سورية بجراح مفتوحة تنزف آثرت العودة لأعرف حقيقة الجرح‏

وصلت دمشق منذ ثلاثة أشهر الآن قرأت أسفار كتاب حياتي كلها أو معظمها وأدركت أن سورية اجتازت المحنة ذاتها وأن القلب على القلب ومشكلتنا متشابهة بعض الشيء كما بدأت من جديد كذلك بلدي ستبدأ من جديد ستؤول الأمور الى ما هو أفضل، فأنا من سورية وسورية مني.‏

لم أكن أعلم أن دمائي سورية إلى هذا الحد وان دمشق تعيش في نبض قلبي فعدت اليك كمن يعود إلى أم حنون كنت جريحة فلمست جراحي جراحك ورأيت حزنك كان أشد من حزني فأنت أم تحتضن أبناءها وتريد لهم الحياة الأفضل كل ما فيك بدا لي حزيناً دامعاً حتى الجامع الأموي لكني في مرة أخرى نظرت إليك من مبنى مرتفع كنت مترامية الأطراف توزعين مساكنك ذات اليمين وذات الشمال غمامة خفيفة من حزن تلفك أنت بهية عصية على الطامعين أحسست بجمالك وحنانك كأنك تضمينني إليك رأيتك شامخة عزيزة ترفعين رأسك ونظرك الى العلا لتستنيري من السماوات سأهمس في أذنك كلمتين أحسست كأن السماء تنحني عليك لحمايتك ريثما تنهضي ألا فاستعجلي إن دوراً هاماً ينتظرك.‏

الحقيقة مُرة هناك أحداث دامية تدور منذ سنتين رأيت الحزن يتمشى في الشوارع أكثر مما رأيت بشراً الكآبة واضحة على وجوه الناس وتحركاتهم سماءٌ رمادية تغطيها غيوم داكنة، جو ضاغط ثقيل على قلبي أنهك أنفاسي أردت التنفس بحرية ... حتى ياسمين الشام بات نادر حجمه صغير من البرد ومن الأسى خفت أن أبحث أكثر لئلا أرى زهرة ملوثة بقطرة دم بريئة... نظرت إلى السماء بحثاً عن طائر حمام أبيض يفرد جناحيه الصغيرين لكن معظم الطيور مذعورة تطير مضطربة هناك رائحة حرب حتى من دون قذائف دوي طلقات من بعد وسيارة اسعاف مسرعة في بعض الأحيان، أين أنت يا شام؟ هل سقطت؟ لا إنما أحنيت رأسك قليلاً واختبأت في حفرة طلباً للأمان ريثما تجدي موضع الألم وتعالجيه ستنفضي الغبار عنك قريباً وتنهضي قوية شامخة كما كنت وأقدامك ثابتة لست أنت من يختبىء إلى الأبد اختبئي قدر ما شئت لكن فكري بالحل ابحثي في كتاب حياتك عن سر حياتك ابحثي عن الخطأ وانظري في عمق جرحك ولو آلمك ثم ضمديه فيشفى. ربما جرحنا واحد حقوق المرأة أنت امرأة جميلة جرحتك الحقوق المهضومة تكاثرت من حولك العيون لترى جمالك لا تسمحي لهم أن يغتالوك انهضي سريعا وحددي الحقوق والقوانين اللازمة قرري بنفسك ابقي حرة شامخة عينك تنظر العلا وجيدك يتبع عينيك لا تسمحي للقوى الخارجية بالتدخل حتى لو كانت صديقة لا تجعلي من ارضك ساحة معركة يموت عليها أبناؤك لتحقيق مكاسب اقتصادية لدول كبرى انتبهي أولاً وكثيراً لخنجر الطائفية المعكوف والمسموم إنه متعطش لدماء الجميع لن تنجو منه أي طائفة ... لا تجعلي من نفسك لبنان جديدة إنك قلعة منيعة وحدي الصف أولاً ضمي طوائف شعبك في منظمات وجمعيات وأحزاب تنظمهم وتطالب بحقوقهم العادلة وتقويهم على القيام بواجباتهم نحو عائلاتهم ، طوائفهم والأحزاب الأخرى لحماية الوطن الواحد وطن الكل. التجزئة لن تجلب سوى التفرق والضعف، توحدوا يا سوريين توحدوا ثم توحدوا.‏

m.alkaade@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية