تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من عام الثبات والصبر .. إلى عام المقاومة والنصر

مجتمع
الأحد 30-12-2012
غصون سليمان

مثقلاً يغادرنا بهموم وشجون وأحلام

مثقلاً ترك وديعته وراءه علها تجد الرباط المناسب لإيصالها حيث العقول المشوشة والعيون الرمداء والقلوب القاسية ...لا تشكر عامك حتى ينتهي ؟ وها نحن نشكره ونودعه بأجمل الأماني وأغلاها بأنه كان عام الصبر والثبات من عمر الأزمة،‏

عام الصمود و التحدي والمقاومة رغم برك الدم ومستنقعات التطرف وركام الخراب وانحطاط منقطع النظير لمنظومة القيم والأخلاق .‏

في قاموس العالم المتمدن هكذا يدعون تنكر الجميع جهاراً ونهاراً أو وقصداً ومواربة لأم الأبجدية صاحبة الفضل في مدنية هذا الكون الذي كان غارقاً في ظلمات الجهل والعصبية منذ عصر الجاهلية ولغاية اليوم ، بل جاهلية القرن الواحد والعشرين تفوقت على كل العصبيات ، فانتعش مذهب التخلف في محاربة الفكر الحضاري والجهل مقابل العلم والموت مقابل الحياة ، والصحراء مقابل الخضرة ، وأشباه البشر مقابل الإنسان السوي ، ومصانع القتل والإجرام مقابل صناعة أدوات الرفاهية وإنتاج أصناف الدواء لتسكين أوجاع وآلام الأمة .‏

أين نحن؟‏

في أي عصر نحن اليوم وفي أي زمن نقاس به ، ما الذي فعلته سورية كي يجتمع شياطين الإنس والجن ليفكوا عقد مؤامراتهم في مدنها وقراها وأحيائها؟‏

ما الذنب والوزر الذي اقترفته وهي من أوصل أول شعاع نور انطلق من أرضها إلى قلب العالم ليعاد إطفاؤه بأسوأ أنواع المحروقات وأقذرها.‏

مهلاً أيها العالم المزيف ، تريث أيها الطاغي المتجبر، انظر أيها الأعمى بقلبك قبل عينك ، فنعمة الرؤية في البصيرة وليس بالبصر ،أما بصرتم يا أصحاب العقول المتآمرة حتى الآن من أن مرجل الحق والقدر سوف يغلي في عروشكم ومحمياتكم في قصوركم وبيوتكم البيضاء والسوداء المقعرة والمربعة ....هل وقفتم لثوان مع ذواتكم وسألتم بمنطق العقل إن كنتم تملكون شيئاً منه ، ما هذا السر الذي تخبؤه سورية وهي تودع عامها الثاني من عمر الأزمة حيث أطنان الحقد انهالت وتنهال عليها من كل حدب وصوب ، يحرقون الشجر ، يدمرون الحجر ، يقتلون البشر ، يعدمون الحياة بكل تفاعلاتها ومع ذلك ، يتوهج الجمر من عمق النار الملتهبة ليعكس حقيقة صفاء سورية وعذوبة السوريين الذين يبلسمون جراحهم المثخنة بحرقة الملح وبرودة الماء .‏

فأصناف الدواء سرقها اللصوص وقطاع الطرق من أغبياء وأعداء والمشافي والمراكز الصحية عبث بهاالجهلة ، أما مقاعد الدراسة لايعرفون معنى أن تجلس عليها يوماً أو تشتم رائحة خشبها وإن عرفها البعض ونكرها فهو قليل وفاء وناكر جميل لا يستحق حقه وتسمية أنه سوري أو حتى إنساني .‏

ما قبل الأزمة‏

ما قبل الأزمة كانت سورية تتحضر لتدشين عشرات بل مئات المشاريع من مرافق صحية وخدمية وزراعية وصناعية واقتصادية وثقافية تقدر تكلفتها بالمليارات .‏

ما قبل الأزمة كانت تتسابق إحصائيات المؤسسات ومراكز التخطيط والدراسات في الوزارات والكليات والمعاهد لمعرفة كم أصبح عدد النساء السوريات اللواتي حصلن عل مستوى تعليمي عالٍ ويشغلن مناصب إدارية وإنتاجية عالية وحساسة في كل الفروع وعلى جميع المستويات العلمية في التعليم العالي ، المصارف ، الطب، الهندسة ، الصيدلة،التدريس في الزراعة ، في القطاعات العامة والخاصة والمشتركة.‏

ما قبل الأزمة كنا نتحضر لتدشين عقد الطرق والاوتسترادات الدولية التي تربط الداخل السوري بكل محيطه من صحرائه إلى نهره وبحره وسهله وجبله .‏

ما قبل الأزمة كان عالم الطفولة في الرياض ومرحلة التعليم الأساسي يستعد للاحتفال بإنجاز أجمل المسرحيات والطقوس التي تعكس كم قطعت سورية الأسد أشواطاً متنامية ومتسارعة في عالم الطفولة المبكرة التي ترعاها الدولة على أعلى المستويات .‏

ما قبل الأزمة كان الموظف والمواطن لا يحتاج إلى كثير عناء كي يصل إلى عمله وقضاء حاجياته طالما السير مؤمن وكراجات الانطلاق بالذهاب والإياب تعج بالحافلات وخلال دقائق تصعد وتمشي وتدفع الأجرة المناسبة والتي لا ترهق جيب المواطن.‏

ما قبل الأزمة كنا نعيش فصول السنة بكل طقوسها وجمالها فالربيع عامر بحدائقه ومتنزهاته وسيرانه ، وفي الصيف تسافر وتجني الثمار وتقضي الاستراحة والإجازة السنوية حيث شئنا وأينما تريد وفي الخريف تستعد الأسرة السورية لتأمين المؤونةمن كل الأشكال والأصناف وبما يناسب كل ميزانيات دخل الأسرة ، مع تحضيرات الاستعداد للمدارس ، وفي الشتاء يكفكف السوريون دفئهم بكل راحة البال فالمازوت مؤمن والغاز أيضاً ولا حاجة للحطب والشمع والكاز .‏

ما قبل الأزمة كان رأسمالنا الأمن والأمان والاستقرار والعالم يحسدنا على هذا الاحتياط .‏

أما اليوم‏

أما اليوم ونحن نودع العام الثاني من عمر الأزمة ليتبدل المشهد كلياً أولاً لم تعد تتصدر عتبات بيوتنا لوحات وأيقونات الرسامين المشهورين في سورية وغيرها أو لوحة للطبيعة أو الموناليزا ، وإنما صوراً لآلاف مؤلفة من الشهداء .‏

وفي ظل تجار الأزمة ومرتزقتها فقدت الطفولة في بلدي براءتها حين شوه الأعداء بيئتها وحضانتها يحرق كتبها ودفاترها ورسومها ومدارسها واقتلاعها عنوة من هنا وهناك‏

في الأزمة لم يعد المدرس والمدرسة والمعلم والمعلمة أصحاب رسالة تربوية وأخلاقية وإنسانية بعرف الأوغاد وإنما مشروع وهدف للقتل وإصدار حكم الإعدام .‏

في الأزمة لم يعد لحرية المرأة السورية معنى ، طالما منابر العهر أفتت بالاغتصاب والقتل والانزواء داخل المنزل يعتدي عليها الأب الضال والأخ السكير والمدمن بموبقات المخدرات اللص القادم من خارج الحدود.‏

في الأزمة تعرف السوريون على كل أنواع العتاد والمعدات التي شهدتها حروب الكرة الأرضية منذ تكوين الكون فلا حاجة للذهاب إلى المتاحف الحربية أو قصور الذوات والبيكاوات والاقطاع القديمة لرؤية السيوف ذات النصال الحادة والفؤوس المختلفة الأحجام وسرابيل الحديد وكل أنواع القيود والخوازيق التي أدمت أجساد السوريين وشوهت نموهم وأبكت عيونهم .‏

في الأزمة أدخل الرعاع مصطلحات جديدة لم نعهدها يوماً في أي لغة خطاب لأن كلمة سوري تغني عن كل وصف فهو الأخ والابن والجار والصديق .‏

في الأزمة تقطعت الأوصال على الأرض الحاضنة الواحدة فصعقت خطوط الكهرباء بتواترتها العالية والمنخفضة ، وفجرت خطوط النفط وأتلفت المحاصيل الاستراتيجية ، وقهرت بيئة العلم ، وتمت تصفية واغتيال خيرة شباب الوطن من كوادر علمية وكفاءات وخبرات ومستويات كنا نفاخر بها العالم على الصعيدين المدني والعسكري‏

في عهد الأزمة المشؤومة كم نحتاج من وقت وجهد لتدوين كل عناصر القبح والرذيلة والوحشية حيث ارتكبت على أرض الوطن كل أنواع المحرمات ومورست أفظع الفظائع والكبائر .‏

كل يوم‏

في الأزمة نعود ونقول ونؤكد كل يوم بدقائقه وثوانيه ولحظاته إننا نحن الشعب العربي السوري من صغيرنا إلى كبيرنا أحياء ، نحب الحياة ، نعشق الوطن ، نقدس التراب ، نستعذب الموت ، لا يهم الرقم الألف ، المليون ... لا يهم عدد القرابين، الذي يهم أن تبقى كرامة السوري مصانة في أرضه في داره تحت زيتونته وسنديانته يتكئ حيث يتعب ويتنهد حين يستفيق‏

نودع عام الصمود والتحدي ... عام عنفوان الشهداء والشهادة لنستقبل عام الإصرار أكثر على التحدي والمقارمة بعزيمة وثبات فلا خيار أمامنا إلا الانتصار ، ومن يتقي الله ويقترب منه يجعل له مخرجاً ... وبشر الصابرين من أهل الصبر . فأهلاً بك أيها القادم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية