تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تعقيدات الأزمة الأفغانية.. هل أصبح «التدويل» مخرجاً؟!

شؤون سياسية
الأربعاء 16-9-2009م
د. محمد البطل

تظهر المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة مؤخراً عن قادة عدد من الدول «المهمومة» بالملف الأفغاني، ومن ضمنهم أمين عام حلف شمال الأطلسي الجديد، حجم المأزق الكبير الذي تعانيه،

وانعكاساته على دولهم من جهة، كذلك ماهية الخطوات المقترحة للخروج من وحل المستنقع الأفغاني من جهة أخرى وتؤكد بمجموعها أن إصرار دول قوات إيساف على إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية (20 آب الماضي) يمثل خطوة نحوإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه، ويدفع بهذا الملف نحو التدويل وتحميل المجتمع الدولي تبعات مايجري في أفغانستان.‏

إذ لم تستطع قوات ايساف «الدولية» وعمادها قوات حلف شمال الأطلسي، التي تمثل القوات الأميركية الجزء الأكبر والرئيس فيها، طوال السنوات الثماني الماضية التي أعقبت غزو أفغانستان، واحتلالها تحقيق أهدافها المتمثلة في إنهاء قوى المعارضة المسلحة، وتأمين الهدوء والاستقرار في البلاد، وتتويج هذه المهمة بإيجاد حكومة أفغانية قادرة على بسط سلطاتها على المناطق الأفغانية كافة.‏

ورغم التباينات- الخلافات المستمرة في مواقف دول حلف الناتو حول حجم مشاركتها في عديد قوات ايساف، وصولاً إلى «المساومات» حول طبيعة توضع قوات كل دولة من دوله (غالباً بعيداً عن المناطق الساخنة)، وآخرها قمة حلف الناتو الأخيرة التي عقدت في نيسان الماضي، فإن مبادرات العديد من القادة العسكريين الأميركيين والممثلين الدوليين حول ضرورات الحوار والمصالحة الأفغانية -الأفغانية، التي تبناها لأسباب عديدة الرئيس حامد كرزاي لم توصل إلى نتائج بل رفضتها حركة طالبان وطالبت بانسحاب قوات الاحتلال أولاً.‏

وعلى الرغم من دعوة أمين عام حلف الناتو الجديد فورغ راسموسن في مؤتمر صحفي عقده مطلع آب الماضي،بمناسبة توليه مهامه إلى (التزام قوي للحلف في أفغانستان التي تعد من أولوياتي) ودفاع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن الحرب الأفغانية مطلع أيلول الجاري: (إن جهودنا بالنسبة إلى هذا الملف «بالكاد بدأت»!! ليس مفاجئاً أن يكون الأميركيون قد تعبوا من رؤية أبنائهم يجازفون ويقاتلون)، فإن التفاعلات الجارية في أفغانستان تؤكد العديد من الحقائق المهمة ونشير هنا إلى بعض منها ويتلخص في:‏

دعوة قادة ثلاث دول أوروبية أساسية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو: المستشارة الألمانية انجيلا ميركل (التي تستعد لانتخابات برلمانية نهاية شهر أيلول الجاري، وتتعرض إلى انتقادات شعبية واسعة، فضلاً عن انتقادات شريكها في الائتلاف الحاكم- وزير خارجيتها فرانك شتاينمار ممثل الحزب الاشتراكي -الديمقراطي) ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون (الذي هبطت شعبية حزبه إلى أدنى مستوياتها) والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (الذي عادت بلاده مؤخراً إلى هيئات الحلف القيادية والتقريرية) دعوة هؤلاء القادة الثلاثة في رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة تطالب فيها بعقد مؤتمر دولي حول أفغانستان قبيل نهاية العام الحالي.‏

إلى تحميل «المجتمع الدولي» مسؤولية الملف الأفغاني، ونقل المسؤولية تدريجياً للأفغان- أي الحكومة القادمة- في المجالات كافة، وبضمنها الملف الأمني).‏

إعلان نانسي بيلوسي قبل أيام قليلة، رئيسة مجلس النواب الأميركي- وتمثل أرفع مسؤول من الحزب الديمقراطي الحاكم- أن زيادة حجم القوات الأميركية في أفغانستان لاتحظى بدعم الشعب الأميركي، أو داخل الكونغرس (الذي يسيطر عليه الديمقراطيون) وأضافت بذلك صعوبة جديدة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.‏

نتائج آخر استطلاع للرأي العام الأميركي نشر مطلع شهر أيلول الجاري وأظهرأن نحو60 بالمئة من الأميركيين باتوا يعارضون التدخل الأميركي في أفغانستان وانعكاساته على شعبية الرئيس أوباما وتداعياته على توجهات الرئيس في مجالات أخرى تمس سياساته الخارجية.‏

إذ يخشى أن يضطر الرئيس أوباما الوصول إلى لغة ما مشتركة مع نواب وشيوخ الحزب الجمهوري لضمان استمرار تأييد الهيئات التشريعية وجود قوات بلاده العسكرية في أفغانستان على حساب العديد من خطوات ووعود التجديد، وخاصة في مجال السياسة الخارجية، التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، وقدم خلال الشهور القليلة الماضية «لغة» أميركية جديدة تختلف عن لغة الكاوبوي التي انتهجها سلفه بوش.‏

إذ يشير المراقبون إلى «المراجعة» التي قدمها قائد القوات الأطلسية والأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال إلى الرئيس الأميركي، وتؤكد حجم المصاعب التي تواجهها قوات ايساف وتالياً ضرورة تعزيزها (أقر أوباما زيادة عديد قوات بلاده بنحو 17 ألف جندي قبيل قمة حلف الناتو الأخيرة وطالب أعضاء الحلف زيادة عدد قواتها بنحو 18 ألف جندي)!!.‏

وأن تؤكد هذه المستجدات حجم الصعوبات التي تعانيها قوات الاحتلال في أفغانستان وازياد حجم الحسابات الوطنية لكل دولة من دول قوات ايساف فإنها تترافق مع ازدياد النشاط العسكري لقوات المعارضة المسلحة الأفغانية، على اختلاف توجهاتها وصولاً إلى تخوم العاصمة وضعف بسط نظام كابول سلطاته على الكثير من المناطق الأفغانية.‏

وفي الوقت الذي تطالب فيه دول رئيسية أوروبية وأطلسية نقل السلطة إلى القيادة الأفغانية فإن نتائج الانتخابات الأفغانية أظهرت حجم التباين في أركان حكم نظام كابول، وأكدته حدة التنافس بين الرئيس كرزاي ووزير الخارجية السابق عبد الله على منصب الرئاسة وأظهرت أيضاً حجم تعقيدات الموزاييك الديمغرافي العرقي والاثني الأفغاني وتداعياته، وبضمنها العملية الانتخابية الرئاسية والبرلمانية.‏

فهل تدفع التطورات الجارية في أفغانستان، كذلك المواقف الرسمية الرفيعة المستوى لزعماء دول أطلسية أوروبية، وانعكاسات تعقيدات الملف الأفغاني على الرأي العام الأميركي والعالمي بدول قوات ايساف إلى مراجعة جدية لطبيعة وجودها في أفغانستان بعد ثماني سنوات على احتلالها.‏

باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs net .org‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية