تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المفارقة الكبرى في المنسوب الفكري السياسي للغرب

شؤون سياسية
الأربعاء 16-9-2009م
د. أحمد الحاج علي

ثمة منسوب فكري، له خصائص، ويصدر عن واقع قائم متكرر، هو الذي يتحكم حتى هذه اللحظة بمجمل المنظومة السياسية للقوى المعادية للعرب،

وكأنما استقرت هذه القوى على قواعد ومواصفات تخضع للتفعيل أو التأجيل تبعاً للمزاج الغربي الصهيوني وحسب استحقاقات المصالح والأولويات التي تنتظمها عند الغرب والكيان الإسرائيلي على وجه التحديد.‏

ويدعونا السياق هنا لالتقاط فكرة خطرة نخشى أن تفر منا أو أن تلقينا في الفراغ حيث نفسر الأمور كيفياً وبنبرة عاطفية تنوس ما بين الاشتعال والانطفاء هذه الفكرة هي ذات قربى بالمقارنة والمقاربة، إذ نعلم جميعاً أن الغرب والصهيونية يصدران في طبعهما وطبيعتهما نحو العرب من منسوب فكري سياسي صاغته المصالح المشتركة لهما وكرسته وقائع وممارسات استعمارية تاريخية ومزمنة في حين يبدو الواقع العربي وكأنما استغنى منذ زمن طويل عن المنهج والقواعد وتحول إلى ركام من الأنشطة والأفعال المنفلتة من منسوبها والتي تنتهي صلاحيتها بانتهاء اللحظة المواكبة، وبالمحصلة فإن للآخرين المعتدين علينا هوية تناسبهم وتعبر عنهم بينما نبدو نحن العرب قد فقدنا هذه الهوية والخشية أن تأتي مرحلة أكثر قسوة حينما تفقدنا الهوية ذاتها عندها لا نكون قد خسرنا أو انهزمنا ولكنا نكون قد دخلنا في لحظة التلاشي والعقم الحضاري وصار كل ما في وجودنا أطلالاً وعدنا لنقتفي آثار شعراء الجاهلية فلا نجيد إلاَّ البكاء على الأطلال، ولا يشفي غليلنا إلاَّ التجوال ما بين المرابع الدارسة والأمجاد التي صارت حكايات وأساطير وأعود للفكرة الأم في هذا العرض وهي المتصلة بالمنسوب الفكري والسياسي للغرب والصهيونية معاً، ومن الواضح أن هناك إشارتين مباشرتين تفرضان حضورهما في هذا المعنى، الأولى أننا نتحدث عن قواعد ومقامات مشتركة وموحدة للقوى الغربية والصهيونية معاً، حتى لتكاد الفروق تنعدم بينهما، وللغرب الأوروبي والغرب الأميركي معاً حتى لتكاد الفروق تنعدم بينهما وللصهيونية والكيان الإسرائيلي معاً حتى لتكاد الفروق تنعدم بينهما.‏

وهنا تنهض المفارقة فإذا العرب موحدون تماماً عند هذه اللحظة وقواعد هذا التوحد العربي هي في نظرة القوى الحاقدة علينا حصراً في حين يبدو كل شيء عدو للوحدة نقيضاً لها في مجمل أوصاف وتطبيقات السياسات العربية المتناثرة مثل صخور قديمة ألقى بها البركان على المسطحات والسفوح ولم يعد أحد من الداخل أو الخارج يأبه بها أو يستذكر هويتها والأرض التي احتضتنتها، يجدر بنا أن نتفحص هذا المنسوب الفكري السياسي لدى القوى الأخرى فنراه يندرج في إطار فقرات بذاتها مستمدة جميعها من الحال العربي من جهة ومن نظرة الآخرين لهذا الحال وكيفية تعاملهم معه من جهة أخرى، والفقرات نطلقها هنا مجرد عناوين ليس أكثر وهي تندرج في ثلاثة عناوين أساسية..‏

1- الفقرة الأولى هي أن الغرب والصهيونية معاً يتكونان وينطلقان باتجاهنا على أساس صراع حضاري وحقد قديم واعتقاد أيديولوجي بأن هذه الكرة الأرضية لا تتسع وليس فيها مطرح لاندفاعة حضارية عربية مهما كان الشكل الذي تتخذه ومهما كانت الاضفاءات الإنسانية والقيمية التي تنشرها هذه الحضارة العربية، ولقد ينكر البعض في القوى الأخرى ذلك في محاولة للتبرير أو التمويه ولكن ذلك سرعان ما ينتهي، وفي اللحظة الحرجة حرباً كانت أم ثورة سرعان مايعود الحلف الكريه لطبعه وطبيعته عدواً للعرب همجياً يعتمد أسلوب التدمير والقتل مترعاً بالأحقاد حيث لا يمل ولا يكل من بث السموم وتزوير الحقائق وتشويه الوقائع والتغلغل في فكرة شحن الآخرين بالحقد على العرب وكل ما يتصل بهؤلاء العرب.‏

2- الفقرة الثانية تتعدى ذلك لتبني موجباتها وأعمدتها على الصورة الراهنة للواقع العربي وهي المؤلفة من جهل وتخلف وارتداد عن مقاصد الحضارة وعزوف عن صيغ التشارك والانفتاح على الذات وعلى الآخر يساند ذلك ويحميه نظام سياسي عربي قرر منذ النشأة أن يكون مطلقاً مرصوداً لذاته. بحيث لا يقاس ولا يُنقد ولا يتبدل ولا يتغير ولا يصلح إلاَّ للاستبداد الداخلي وتأمين مشاهد المواكب وزينة الحاكم، ويعرفون تماماً أن هذا النمط من الحكم والحكومات مفصل ليكون قوة افتراس للداخل وقوة تبعية للخارج، والصور العربية بمجملها متوالدة مفتوحة على الأسوأ، ولها شهية غرائزية نهمة نحو التشظي والتجزئة والتطرف والاقتتال وهنا تظهر بطولات الداخل التي لا تعني سوى الهزائم أمام الخارج ومن يمثله سياسياً وعسكرياً وثقافياً.‏

3- وتبقى الفقرة الثالثة وأذكر بأنني أعرض لعناوين ليس أكثر، وهذه الفقرة الثالثة متوضعة ومستقرة منذ النشأة وأساسها أن الكيان الإسرائيلي هو الموقع الذي تتحصن فيه مجمل التجربة الغربية والصهيونية وبالتالي فإن هذا الكيان خط أحمر لا يجوز أن ينكسر أو ينهزم ولا يخضع لمعايير البشر وحقوق الإنسان، هو مستثنى بإلاَّ، وأمن هذا الكيان، ورفاهية هذا الكيان، هدف للغرب لا يتغير ولا يجوز إجراء أي تعديل فيه، وحينما يمارس هذا الكيان قتل العرب واحتلال أرضهم واغتصاب حقوقهم فإن ذلك سيكون دعوى مضافة إلى ضرورات الحفاظ على الأمن الإسرائيلي بطريقة إبقاء العرب وغير العرب في الجوار تحت خط الهزيمة والفقر والموت المحتم الذي يأتي مرة بالتقسيط وأخرى بالجملة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية