تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار... رمضان كريم .. لا دواء لداء الدهر إلا بالصبر

آراء
الأربعاء 16-9-2009م
ياسين رفاعية

الصبر مفتاح الفرج.. هكذا يقولون، وقد امتدحه الله تعالى في كتابه في مواضع كثيرة وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافاً إلى الصبر وأثنى على فاعله،

وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه وحث على التثبت في الأشياء ومجانبة الاستعجال فيها، فمن ذلك قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين» -سورة البقرة-.‏

فبدأ بالصبر قبل الصلاة ثم جعل نفسه مع الصابرين دون المصلين، وقوله تعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» -سورة الزمر- وقوله تعالى أيضاً: «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا» -سورة السجدة- وقوله تعالى: «وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا» -سورة الاعراف- وبالجملة فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيف وسبعين موضعاً وأمر نبيه (ص) فقال: «اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم» -سورة الأحقاف- وقد روي عن النبي (ص) في أخبار كثيرة فمن ذلك قوله (ص): «النصر في الصبر» وقوله: «بالصبر يتوقع الفرج» وقوله: «الاناة من الله تعالى والعجلة من الشيطان». فمن هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمه الصبر في مواطن طلباته والتثبت في حركاته وسكناته، وكثيراً ما أدرك الصابر مرامه أو كاد، وفات المستعجل غرضه أو كاد.‏

وقال الأشعث بن قيس: «دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ر) فوجدته قد آثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلاً ونهاراً فقلت يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة فمازادني إلا أن قال:‏

اصبر على مضض الإدلاج في السحر‏

وفي الرواح إلى الطاعات في البكر‏

إني رأيت وفي الأيام تجربة‏

للصبر عاقبة محمودة الأثر‏

وقلَّ من جدَّ في أمر يؤمّله‏

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر‏

فحفظتها منه وألزمت نفسي الصبر في الأمور فوجدت بركة في ذلك.‏

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب؟ ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه».‏

وعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة.‏

وقال (ص): «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي له الرضا ومن سخط فله السخط».‏

وعن اسحاق بن عبد الله عن أنس أن الرسول (ص) قال: الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر والصبر عند الصدمة الأولى وعظم الأجر على قدر المصيبة ومن استرجع بعد مصيبته جدد الله له أجرها كيوم أصيب بها.‏

وروي عن الخليفة علي (ر) قال: احفظوا عني خمساً، اثنتين اثنتين وواحدة: لا يخافن أحدكم إلا الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور، وأيما رجل حبسه السلطان ظلماً فمات في حبسه مات شهيداً، فإن ضربه فمات فهو شهيد، وروي في الخبر: «لما نزل قوله تعالى «ومن يعمل سوءاً يجز به» سورة النساء- وقال أبو بكر الصديق (ر) : يا رسول الله: كيف الفرج بعد هذه الآية قال الرسول(ص): «غفر الله لك يا أبا بكر أليس تمرض، أليس يصيبك الأذى، أليس تحزن؟ قال: بلى يا رسول الله قال فهذا ما تجزون به» يعني جميع ما يصيبك من سوء يكون كفارة لك، وبهذا اتضح لك أن العبد لا يدرك منزلة الاخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء.‏

وروي عن ابن مسعود أنه قال: «بينما رسول الله (ص) يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال ابو جهل أيكم يقوم إلى سلا الجزور فيلقيه على كتفي محمد إذا سجد.‏

فانبعث أشقى القوم فأخذه وأتى به، فلما سجد محمد (ص) وضع بين كتفيه السلا والفرث والدم فضحكوا ساعة وأنا قائم أنظر ، فقلت لو كان لي منعة لطرحته على ظهر الرسول (ص) والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة (ر) فجاءت فطرحته عن ظهره ثم اقبلت عليهم فسبتهم، فلما قضى (ص) الصلاة رفع يديه فدعا عليهم فقال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فلما سمع القوم صوته ودعاءه ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، فقال: اللهم عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة وربيعة والوليد وأمية بن خلف، فقال علي رضي الله عنه: والذي بعث محمداً بالحق رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر.‏

وكان الصالحون يفرحون بالشدة لأجل غفران الذنوب لأن فيها كفارة السيئات ورفع الدرجات وروي عن الرسول (ص) أنه قال: ثلاث من رزقهن فقد رزق خيريّ الدنيا والآخرة: الرضا بالقضاء و الصبر على البلاء والدعاء في الرخاء.‏

وحكي أن امرأة من بني اسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة فسرقها سارق فصبرت وردت أمرها إلى الله تعالى ولم تدع عليه، فلما ذبحها السارق ونتف ريشها نبت جميعه في وجهه فسعى إلى إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتى حبراً من أحبار بني اسرائيل، فشكا له فقال: لا أجد لك دواء الا أن تدعو عليك هذه المرأة فأرسل إليها من قال لها أين دجاجتك فقالت: سرقت فقال: لقد آذاك من سرقها. قالت: قد فعل ولم أدع عليه. قال: وقد فجعك في بيضها قالت: هو كذلك. فمازال بها حتى أثار الغضب منها فدعت عليه فتساقط الريش من وجهه، فقيل لذلك الحبر من أين علمت ذلك؟ قال: لأنها لما صبرت ولم تدع عليه انتقم الله لها، فلما انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش من وجهه، فالواجب على العبد أن يصبر على مايصيبه من الشدة ويحمد الله تعالى، ويعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً، وأن المصائب والرزايا إذا توالت اعقبها الفرج‏

ومن أحسن ما قيل في ذلك، للشاعر زهير بن أبي سلمى:‏

ثلاث يعز الصبر عند حلولها‏

ويذهل عنها عقل كل لبيب‏

خروج اضطرار من بلاد يحبها‏

وفرقة إخوان وفقد حبيب‏

ومن كلام الحكماء: ماجوهد الهوى بمثل الرأي ولا استنبط الرأي بمثل المشورة. ولا حفظت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر، وما استنجحت الأمور بمثل الصبر.‏

وكان يقال: من تبصر تصبر وكان يقال: إن نوائب الدهر لا تدفع الابعزائم الصبر، وكان يقال: لا دواء لداء الدهر إلا بالصبر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية